النبذة كل ما حولي يزحف نحوي كعفن لا يُرى: وجوهٌ تتكرر كالأقنعة، كلماتٌ فقدت طزاجتها منذ زمن، يقينٌ يتخثر على ألسنة الآخرين حتى يصير رائحةً ثقيلة في الهواء. أتنفس فيمتلئ صدري ببقايا أنفاسهم، أصغي إليهم فأبتلع ما مضغوه من قبل، وأدرك أن لا شيء نقيّ يمكن أن يصل إليّ. لهذا أصوم. أصوم عن الكلام الذي لا يعود لي إذا خرج، وعن الأفكار التي تنتقل من رأسٍ إلى رأس حتى تتعفن، وعن المشاركة في وليمة لا تنتهي من ضحكات فاسدة ونصائح مكرورة. صمتي ليس فضيلة، بل محاولة يائسة لأحمي ذاتًا لم أعد أراها، ظلًا في المرآة يذوب أكثر كلما حاولت أن أحدّد ملامحه. لكن الصوم نفسه يتحول إلى سجن. كلما أحجمتُ عن الكلام، صارت الأصوات أعلى في داخلي: ليزا بيقينها المتعجرف، ناستكا بترانيمها العقيمة، العم بضحكاته التي تحوّل قرفي إلى مهزلة. كلهم يسكنونني، حتى صمتي لم يعد لي، بل صار قبوًا ممتلئًا بأصدائهم. __ فن 🎭