nar____uto
- Reads 1,038
- Votes 71
- Parts 17
في قصرٍ ذي جدرٍ شاهقات، وأبوابٍ لا تفتح إلا على الوحشة،
نشأ الطفل جون، لا في حِضنٍ دافئ، بل في كنفٍ من حجر،
طفلٌ في سِنِّ الزهر، غير أنّ الحياة فيه ذوت قبل أن تتفتّح.
لم يعرف من الطفولة إلا اسمها،
ولا من البشر إلا وجوهًا جافية، وأيدٍ تُهوى كالسياط.
ينام على فراشٍ من صقيع، ويصحو على نداءٍ كأنّه نُذُرُ شؤم.
كان القصر جنّةً في أعين الناس...
لكنّه في عيني جون، جحيمٌ لا يشتعل، بل يتجمّد.
وفي غمرة البؤس...
دخلت هي.
أنيسةٌ في ربيعها العشرين،
تمشي كنسمةٍ أقبلت من جنان الغيب،
قوامُها كغصن صفصافٍ رقّ في نسيم الفجر،
بشرَتُها كطلعة القمر ليلة التمام،
وعيناها... عينان من ماءٍ رقراق، فيهما حنينُ أمٍّ أضناها البُعدُ عن رضيعها.
شَعرها من ليلٍ ساجدٍ، يتدلّى على كتفيها كستائر المساء،
وفي خديها نورٌ خافت، كأنّه بقايا شمسٍ غارت خلف السحاب.
ما كانت خادمةً، بل ملاكًا حطّ في أرضٍ مجدبة.
منذ أن أبصرها، خُيّل إليه أن أمّه، تلك التي وارى الثرى جسدها ساعة ولادته، قد عادت إليه متجلّية في ملامحها.
في لمستها دفء الغياب،
وفي صوتها رجعُ "أحنو عليكِ" التي لم يسمعها قط.
كانت له أمًّا أهدتها السماء متأخرة...
شعلةً في سرداب عمره، ويدًا من نورٍ وسط ليلٍ لا ينقضي.