Tchoiamosta
هناك لحظات نادرة يشعر فيها الإنسان أنّ الكون يفتح أمامه نافذة صغيرة،
نافذة لا تُرى بالعين، بل تُدرك بالبصيرة.
الرياضيات هي تلك النافذة: لغة تولد من الصمت،
وتنمو على حدود الدهشة الأولى،
حين حاول العقل البشري فهم الإيقاع الخفي للعالم.
لم تبدأ على شكل قوانين، بل على شكل أسئلة...
أسئلة بسيطة في ظاهرها، خطيرة في عمقها:
لماذا تتكرر الظواهر؟
لماذا تنحني الخطوط؟
لماذا يستقيم شيء وينكسر آخر؟
ومع كل محاولة للفهم، وُلد رقم، ثم علاقة، ثم برهان؛
حتى تكوّنت اللغة الوحيدة التي لا تحتاج إلى تفسير خارجها.
ومع مرور الزمن، تحوّلت الرياضيات من أداة إلى رؤية،
ومن عملية إلى فلسفة.
صارت مرآة يرى فيها الإنسان حدود قدرته:
قوة منطقه، ضعف حدسه،
ومساحة ذلك الضوء الذي يشعّ فجأة
حين تنحلّ عقدة فكرية ظنّها مستحيلة.
ورغم نقائها حين تسكن الورق،
إلا أنّ الواقع لا يطاوعها دائماً.
فالرياضيات تقوم على الكمال،
بينما يقوم العالم على الاختلاف والضوضاء.
وهنا يبدأ الجذب الحقيقي لهذا العلم:
الصراع بين المثالي والواقعي،
بين ما يجب أن يكون... وما هو كائن فعلاً.
في كل برهان يولد، في كل فكرة تتّضح،
تظهر تلك المتعة الهادئة التي لا تُشبه أي شيء آخر.
متعة تمنح العقل شعوراً بأنّه أمسك خيطاً من خيوط الكون،
ولو للحظة قصيرة.
وهذه الصفحات ليس