بمناسبة اليوم العالمي للقهوة اليوم العالمي لقهوة العالم.. أمّا أنا فقد احتفلت به يوم جلسنا معا في ذلك المكان العالي بعد غياب دام ست عشرة سنة. التقينا بملامح جديدة و وظائف غيّرتها متطلّبات الحياة التي لم نتقاسمها معا.. قهوتك السوداء المرّة و قهوتي حلوة بحليب أسود.. يومها دخّنتَ كثيرا و أنت تسألني عن حياتي بعدك، عن بيتي و طريقه الذي لا يؤدي إلى بيتك، عن عملي، و إبني الوحيد الذي لم يحمل اسمك، عن هاتفي الذي لم يحفظ رقمك، عن الرسائل التي كانت تؤذي ساعي البريد و هو يلقي بثقلها في صندوق بريدك...عن "الشتاءات "التي مرّت دون معاطفنا يدفئ كشميري كشميرك...عن البياض الذي لا مبرّر لثلجه يمرّ على رصيفي و صمتك..عن الفرصة التي ضاعت في مرمى الغيبات، أمام حارس مبتور السّاق! عن الشّوق الذي دفنّاه بدافع غرور، عن المسافات التي لم تتحمّلها خرائط القلب و لا رشتارات السلالم..الشوق الذي لم يحظ بوقع حذائي على عتبات قطارك، مكتبك ، بابك، نافذتك.. الشّوق الذي ذوّبناه في عمليّة مستعصية على الخلق و كيمياء الحسّ العظيم.. كيف نجونا من بعضنا بتلك السّهولة.. كيف اندلفنا في عروق الحياة دون أن تحدث الجلطة الكبرى.. جلطة الغياب.. كنت أحكي بصيغة الوقت الشّهيد و كنت تسمع بصيغة العمر الفقيد... فنجانك الصّغير..و فنجاني الأكثر اتساعا ..كانا مزهريتين لورد محروق.. لم أذهب لموعدنا كما ذهبت إليه منذ ست عشرة سنة... جئتك يومها لترى المتحف الذي صنعته لنفسي بنفسي، و لا أعرف إن كنت رأيته أم لا..المتحف الوحيد في العالم الذي يعرض خساراته لا ثرواته... و جئتني بقامتك و قيمتك و قمّة حضورك، الحضور الذي ظل مربكا رغم اتّزان السنين.. رغم نضوج فكرة بلغت الخريف من عمرها..فكرة أن أحتضنك كما يحتضن ماء لحظة انسيابه الأول..نحو الهاوية. كلّ عام و البنّ بخير... كلّ عام و المُرُّ بخير.. منية الفرجاني تونسAll Rights Reserved
1 part