غامضةٌ هيَ الحياة، غامضة بصورة واضحةً للغاية .. لعلَّ وضوحها الكبير هوَ سرّ غموضها .. أم لعلّ عطشُ الإنسان للمزيد من الحقائق يجعلها تبدوا بذاك الغموض ... الحياة تعطي وتأخذ بقدرٍ متساوي .. تضحك وتحزنُ بذاتِ الكيل .. موازنةٌ كونيّة صوّرها الخالق بأبهى حلّةٍ وتصوير .. موازنة لابدّ لنا وأن نأخذها بنظرِ الأعتبار ... موتٌ .. يتبعه ولادة، هذهِ هيَ سنّة الحياة... خُلقنا نصرخ ونبكي لمعرفتنا ونحنُ صغار بمشاقِّ الحياة التي سنقبل عليها، نشأنا نتخبّط بين جدرانِ الزمن نحاول إثبات وجودنا في صرحِ هذهِ الحياة .. أن نتميز، أن نُبهر، أن ننتصر ... ونمضي فخورين ... ومع مرورِنا بعقارب الزمن، انشغلنا بتلكَ الطموحِ عن غايةٍ أسمى ... عن مفهوم الخلود الذي صوّرته لنا قصصٌ تراثية ... كلكامش كان يطمح لخلودٍ جسديّ .. وبعدَ درسٍ قيّم استشفّ مفهوماً مغايراً، الخلود لا يشترط أن يكون خلوداً جسدياً بل خلودِ الذاكرة .. الذاكرة هيَ مفتاح تلكَ الحياة ... الذاكرة؛ هي من تصوّر لنا هيأة الخلود الروحانيّ، فمهما تطرّق موضوع الموت والحياة بمفهومها الانعكاسيّ البحت .. تكون الذاكرة الحيّز الذي يجمع الاثنان بخطٍّ واحد ... يرسم لنا آفاقَ الخلود الأبدي بمفهمومٍ روحانيّ سطّرته العصور على مرّ التاريخ ... أن تموت ويحتضنكَ الثرى، لا يعني أن تندثر في غياهب.
10 parts