قائد بنات نعش

مضوا يتقاذفهم الموج، ويجذبهم المجهول، تعاقب عليهم الليل والنهار، آفاق حالكة، وقلوب قانطة، وجرت الرياح بما لا تشتهى السفن، فلم تكن فى قسوتها أقل بطشاً من الظلاميين، رفع الموج هامته، وتمادى فى نزقه، فابتلع بعضهم، ومضغ آخرين، ثم لفظهم فى اللحظة الأخيرة .
لازم عينيه التسهيد، وتسلل الخوف إلى قلبه الجرىء، بات يخاف النوم، كلما غفا يمثل له ذلك المشهد الأليم، عيون تم اقتلاعها، أطراف بُترت، وقلب على حافة الخنجر، وذلك الضخم الأصلع يضحك، وأسنانه ممزوجة بالدم، لم تكن يقظته أقل ألماً، فأينما ولَّى وجهه رأي المأساة ذاتها، هل ينتهى هذا العذاب ؟
تألم القداسيون من حوله، ولكنهم سلموا فى آخر الأمر بأنه انتهى، وأن الأمير مات، ولكن هل مات حقا؟
قداسة المحترقة تقول هذا، ضحكة ذلك المجرم، رماده المنثور فى البحر،
دموعه المسفوحة. أجمع العالم كله إلا هو، لم تمت، أنت اليوم أكثر حياة من ذى قبل، تربع على عرشك فى أعماقى حتى نلتقى، حان الآن دورى، تلقيت الضربة الأولى ورغم قسوتها لم أمت، شُقَّ قلبى، ولكنى ما زلت أتنفس، سأجعلهم يلعنون كل دقيقة مضت، ولم يقتلونى فيها، سأجعل الموت نجاتهم وأكبر طموحاتهم.