قصة امرأةٍ وُلدت من رماد الانتظار، حملتها الأيام على أجنحة الأمل، ثم أسقطتها في هاوية الفقد.
ست سنواتٍ مضت، كلٌّ منها ليلةٌ طويلة تُطوّقها أنفاس الحنين، وكلّ صباحٍ كان طريقًا شائكًا من البحث، تسير فيه مُثقلةً بأملٍ يتآكل رويدًا رويدًا. مضت بين الأزقة كمن تطارد ظلًّا، بين وجوه العابرين، بين حكايات المجهولين، تبحث عن أثرٍ لرجلٍ كان لها وطنًا، ثم صار سرابًا خلف الأفق. تركها ومضى، لم يُخلّف وراءه سوى صبيٍّ يحمل ملامحه، وعينين ضائعتين في انتظار أبٍ لم يرهما يومًا.
وحين أنهكها المسير، أيقنت أن بعض الأبواب لا تُفتح وإن طرقتها أرواحنا ألف مرة. كان عليها أن تترك ماضيها خلفها، أن تخطّ سطورًا جديدة، لا حبًّا، بل لأجل ابنها. وهكذا، ارتبطت برجلٍ يملأ حضوره المكان، قائدٌ عسكريّ، جسورٌ كالسيف، حادٌّ كالنار، ثابتٌ كالجبل. حسبت أنها أخيرًا تمسّكت بثبات الأرض بعد سنواتٍ من التيه، حتى جاء ذلك اليوم...
عندما التقت عيناها بعينيه، اضطرب شيءٌ عميق في روحها، كرجعِ صدى لذكرى لم تُدركها بعد. كان صوته مألوفًا، نظرته تلامس شيئًا منسيًّا في أعماقها، لكن عقلها قاوم الوهم، وقلبها تردد في الاعتراف. ظنتها مصادفةً، خدعةً نسجها الحنين، غير مدركةٍ أن القدر ينسج خيوطه ببطء، وأن الحقيقة ستتكشف لها كما يتكشف السراب تحت