عرش من ورق

"لم يُطق الجُوع، لم يُطق البرد ، لم يُطق وهَنَه. كان جسده هناك، خامدًا، بلا فائدة ."

توقّفت أنفاسها لوهلة، كأن الكلمات امتصّت الأكسجين من الغرفة، من عقلها، من نبضها. انسلّ السؤال من بين شفتيها همسًا، كأنما تخشى أن يَعيه سمعها .

"والآخر؟"

أسند ظهره إلى الكرسي على مهل، لعلّ المفردات تتغلغل في عقلها قبل أن يسترسل

"كان جائعا ، كان مذعورًا... لكنه كان حيًّا. تأمّلي جيّدًا يا ميلينا، فالسجيّة لا تفكر ، الغرائز لا تحيد، ولا تفرّق بين الصواب و الخطأ ."

تقدّمت نحوه خطوة، عيناها تضيقان بريبة. "ماذا فعل؟"

ارتجفت شفتاه للحظة، كما لو أنه يقمع ابتسامة ما، ثم انحنى إلى الأمام، وصوته هذه المرة أعمق، كأنما يذوق متعة خفيّة في كلماته.

"أكل... أجل، أكل أخاه . غرس أسنانه في جلده ، مزقه ، قضم لحمه، فتك به كأنه لم يكن يومًا من سلالته، لم يكن رفيقه ولا جزءا من قطيعه. تحوّل الحمل الوديع من فريسة إلى ذئب ، في غمضة عين."

استنشقت ميلينا أنفاسها بذعر، عيناها معلّقتان بوجهه. تحدّث بهدوء، لكن وقْع كلماته بدا أدهى و أثقل من السكون المطبق بينهما. اجتاحتها قشعريرة، غير أن محنتها لم تقف عند الفزع، بل عند فكرة أخرى، فكرة تسلّلت إلى وعيها كوميض خافت في حجرة موحشة. تعثّر لسانها قليلًا قبل أن تهمس

"قد تصبح الخراف ذئابًا..."

"أو ربما كان