اصوات فى الجدران

كان الهواء في الداخل كثيفًا، مشبعًا برائحةٍ عتيقة تشبه العفن المختلط بشيء آخر... شيء فاسد، كأن الزمن تعفّن بين هذه الجدران. السكون لم يكن سكونًا عاديًا، بل كان حيًّا، نابضًا بأنفاسٍ غير مرئية، كأن القصر يراقب... يختبئ... يتنفس.

الجدران، رغم صلابتها، بدت كأنها لحمٌ متخشّب، مجرّح بندوبٍ قديمة، تتسلل عبر شقوقها همساتٌ خافتة، كأن هناك أرواحًا محبوسة في الداخل، تهمس دون أن يفهم أحد كلماتها. لم يكن الصوت واضحًا، بل كان أشبه بطَنينٍ تحت الجلد، كأن جسده كله أصبح أُذنًا عملاقة تُنصت لصوتٍ لا ينبغي أن يُسمع.

الضوء الشاحب الذي تسلّل عبر النوافذ العتيقة لم يكن مريحًا، بل كان مثل وهجٍ ميّت، لا يبدد العتمة بل يزيدها غموضًا. الظلال لم تكن ساكنة، كانت تتحرك في أطراف الرؤية، تقترب عندما لا ينظر إليها مباشرة، كأنها تختبئ داخل زوايا عقله، تراقبه من الداخل قبل أن تهاجمه من الخارج.

وفي لحظةٍ، شعر بها... النَقرة. لم تكن على الخشب، لم تكن على الأرضية... كانت خلف ضلوعه، ناعمة، متكررة، كأن أصابع باردة تقرع قلبه من الداخل، توقظه... تُذكّره أنه ليس وحده، أنه لم يكن وحده منذ أن دخل هنا.