---
اقترب "الآخر" من سليم بخطوات بطيئة. صدى حذائه يرن في أرجاء القطار الخالي، كأن الجدران تهمس بكل حركة. وجهه كان بلا تعابير، لكن عينيه... عينيه تحملان شيئاً مألوفاً، شيئاً مخيفاً.
- القطار هذا ما ينقل الناس يا سليم... هو ينقل الذاكرة، الألم، والندم.
صمت لحظة، ثم أردف بنبرة منخفضة كأنها دعوة:
- كل راكب إله قصة، وكل نافذة إله سر... والنافذة رقم 9، كانت قصتك من البداية.
وفجأة، بدأت جدران القطار تتحوّل إلى شفاف كزجاج المطر. سليم وقف مذهول، عيونه تتسع وهو يشوف لقطات من حياته تتوالى أمامه، كأن القطار يستعرض أرشيف ذاكرته.
لقطة: أمه تجلس على حافة السرير، تحتضن قميص نديم وتبكي بصمت.
لقطة: هو، بعمر العاشرة، يركض خلف أخيه في زقاق مليء بالضباب.
ثم... لقطة غريبة: نديم، مربوط إلى كرسي حديدي، جسده متعب، وعيناه متوسلتان، وفي الخلفية ظلّ غامض يتحرّك ككابوس حيّ.
سليم شهق، وخطى خطوة للوراء.
- شنو هذا؟!
قال "الآخر" بنبرة هادئة:
- الحقيقة... بس على شكل كابوس.
وسُمع صوت صفارة القطار، خافتة كأنها تأتي من بعد آلاف الأميال. الأبواب بدأت تُغلق ببطء.
قال الآخر:
- لازم تختار، يا تبقى وتعرف... أو تنزل وتنسى.
وسليم... يده تقترب من الباب، لكن عينه ما زالت على النافذة رقم 9، حيث رأى ظلًا يلوّح له من بعيد.
---
بداية الحلقة الثانية: "مدينة بلا
أهذا ضريح أم قصر؟
-بل هو الهلاك... لا يفرق بين الموتى والأحياء.
-وما الذي يُحفر على جدرانه؟
-أسرارٌ نزفتها الأرواح حين خانها الجسد.
-وهل نُحاسَب على الصمت؟
-حين يكون الصمت خنجرًا... نعم.
-أخشى أن وجهي انعكاس لما دُفن هنا.
-بل أنتِ مرآة الهلاك... تلمعين حين يتشقق كل شيء.
-وهل تُبنى الحقائق على حجرٍ بارد؟
-بل تُنقش عليه... كي تبقى حين ينهار كل شيء آخر.
-وإن كنتُ من لحمٍ لا يُقارن بقسوة الهلاك؟
-ستلينين يومًا... لكنك ستتركين ندبة، كما يفعل الراقص على الزجاج.
-ما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟
-بحثًا عن الحقيقة... ولو كانت تحت قدمي قاتل.
-أو داخل قلبٍ لا يعرف الرحمة؟
-كل القلوب تعرف الرحمة... لكنها تخافها.
-وإن وُلدتُ بين الوحوش؟
-فأنتِ الوحش الذي تعلم كيف يبدو الجمال وهو يبكي.
-أتخافني؟
-أخاف أن ألمسك... فأتهشّم كما يفعل الضوء حين يهلُك.
-إذًا، أين نقف الآن؟
-عند الباب الأخير... إما ندخله معًا، أو نظل حجرين يتآكلان بصمت.
-وإن فتحتُه؟
-فليكن... لكن اعلمي، الهَلاك لا ينسى من وطأه كذبًا.
♕
هلاك أساسه وجعٌ دفين
قائم على صمتٍ لا يلين
يسري في الظلّ وجوهٌ بلا يقين
ومغرّسةٌ في الأرض حكاياتُ أنين
♕
#الهَلاك_١٠٣
بقلمي: شَمس عَليّ
"للا احلل نشر الرواية في اي حساب ثاني داخل الواتباد او خارجه" 🎀✨