
لا أحد ينتبه للذين يختفون ببطء. أولئك الذين لا يطرقون أبواب الرحيل، بل ينسلون خفافًا من بين الجدران، كأنهم لم يكونوا. تمرّ وجوههم في المرايا دون أن تعلّق الضوء، وتصير أصواتهم خيطًا رفيعًا من النسيان، لا أحد يشدّه. هو لم يكن رجلًا صاخبًا، ولا صاحب مآثر، بل ظلًا وديعًا يشبه ظلال الأشجار حين تميل العصر في أطراف المدينة. عاش كما تُعاش الأشياء البسيطة: دون إعلان، دون احتجاج، دون أثر. لكن حين توقّف قلبه، لم يكن هناك من يعلم أنه كان يدق. وحين حُمل نعشه على أكتاف الصمت، لم يمشِ خلفه أحد. وحدها الأرض كانت تنتظره، بصبرٍ لا يشبه الغفران، بل كأنه نوعٌ من العتاب. وهل يُلام من عاش عمره دون أن يزعج العالم بوجوده؟ وهل يُبكى من لم يُرَ أصلًا؟ في ذلك اليوم، لم يكن المشي وراء النعش وداعًا... بل كان بداية الكشف عن كل ما لم يُعش، عن الأرواح التي سُجنت في أجسادٍ خافتة، عن المعنى حين يغادر متأخرًا، بعد أن تكون الحياة قد قالت كلمتها الأخيرة. ...All Rights Reserved
1 part