
لم يكن دخولها إلى تلك المتاهة سوى لحظة عابرة... أو هكذا خُيّل إليها. خطوة واحدة فقط، لا أكثر، لكنها كانت كافية لتمزق خيوط حياتها المعتادة، وتلقي بها في عالم يتنفس الظلام. الجدران تتبدل أمام عينيها، الممرات تضيق وتتشعب كأنها كائن حيّ يراقبها، والهواء مشبع برائحة غريبة لا تعرف إن كانت دخانًا أم أنفاسًا لشيء يترصدها في العتمة. أصوات هامسة تتردد من الأعماق، لا يسمعها أحد سواها، أصوات تحمل نغمة مأساوية وكأنها صرخات لأرواح لم تجد السلام. وكلما حاولت أن تصم أذنيها، ازداد النداء وضوحًا حتى صار يتسلل إلى قلبها مباشرة. في البداية ظنت أنه مجرد وهم... لكن الوهم سرعان ما انقلب إلى حقيقة أشد رعبًا. لقد تم استدعاؤها - هي بالذات - لغاية لم تخترها: عليها أن تجمع شظايا شبح ممزق، محاصر في المتاهة منذ قرون. وكل جزء من هذا الشبح مختبئ في ركن مظلم، يحرسه كابوس أشد وحشية من الآخر. وكلما عثرت على قطعة، كان الظلام يثقل خطواتها، والأصوات تتحول إلى عويل، والجدران تضج بصرخات لا تفسير لها. في هذا المكان، لا فارق بين الحلم والواقع، ولا يقين إن كانت تمشي على أرض صلبة أم أن قدميها تلامسان سرابًا. الخوف ينهشها من الداخل، وفي الوقت ذاته، هناك خيط غامض يشدها للمضي قدمًا، رغبة غريبة في النجاة حتى لو كان الطريق محفوفًا بالهلاك.All Rights Reserved