افتتاحـية رمـيد الدمـ
قيل إنّ الجنوب لا ينام...
لكن في تلك الليلة، العمارة بكت،
والبصرة أطفأت أنوارها كأنها تخجل من الدم.
تدلت السماء كوشاحٍ ثقيلٍ من الرماد،
والريح كانت تسعلُ غبارًا عتيقًا من الحروب الماضية.
على الطريق الفاصل بين المدينتين،
تمدّدت جثةٌ فوق الطين،
سكينٌ مغروسٌ في صدرها،
وعَينان مفتوحتان على العدم، كأنّهما ترفضان الموت.
لم يكن في المكان سوى صمتٍ يتنفس بصعوبة،
ورائحةٍ لزجةٍ تشبه الخوف.
كل شيء هناك بدا حيًّا وهو يحتضر.
الأرض تبتلع الدم ببطءٍ شهيّ،
والظلال تراقب من بعيد، كأنها تنتظر الضحية التالية.
ثم انبعث صوتٌ من العتمة،
صوتٌ خشنٌ يحمل شيئًا من السخرية والحنين:
"فُزتِ عليّ يا جسرة...
لكن الفوز هذا ما يدوم."
خطا خطوة نحو الجسد،
مسح الدم من يده بحركةٍ باردةٍ كأنها طقسٌ مقدّس،
ثم رفع عينيه إلى السماء التي لم تعد سماء،
بل مرآةً تعكس خطيئته.
لم يكن بينهما حبٌّ ولا صلح،
بل عهدٌ من الدم، ووعدٌ بالخراب.
هي تعرف كيف تخفي ألمها بابتسامة،
وهو يعرف كيف يبتسم وهو يذبح.
في تلك الليلة، الريح حملت صوت الأذان من بعيد،
لكن لا أحد صلّى،
ولا أحد نام.
الكلّ كان ينتظر شيئًا لا يُرى...
همسًا، صدى، أو ربما موتًا آخر.
يُقال: حين يصمت الجنوب،
تبدأ الأرض بالكلام،
لكنها لا تتكلم إلا بلغةٍ