سكان جوف الحائط

لم تكن يثرب تؤمن أبدًا بأنها وحيدة في هذه الدنيا... كان هناك دائمًا ذلك الإحساس الخفي، كأن أنفاسًا تتسلل من خلف الجدران، وكأن عيونًا تراقبها من ثقوبٍ لا تُرى. منذ طفولتها، كانت والدتها تردد على مسامعها جملة لم تفهمها تمامًا: "الحيطان ليها ودان". ومع مرور السنين، لم تعد العبارة مجرد مثل شعبي، بل صارت حقيقة تعيشها يثرب كل ليلة.

هناك... في جوف الحائط، كانت الأرواح تسكن. لم ترَهم يومًا بعينيها، لكنها شعرت بهم، سمعت همساتهم، بل واعتادت على وجودهم أكثر من اعتيادها على الناس خارج جدران البيت. كان البشر قساة، لا يفهمونها، لا يقتربون من قلبها، بينما أولئك الذين في الجدار كانوا مختلفين... كانوا دائمًا معها.

ثم جاء لاجمي.
صوتٌ من أعماق الجدار، أكثر وضوحًا من كل الأصوات التي سبقته، وأكثر دفئًا من كل البشر الذين عرفتهم. صار صديقها، حارس أسرارها، المستمع الوحيد إلى حكاياتها الصغيرة والكبرى. تعلقت به حتى صارت أنفاسها مربوطة بنبضه، كأن حياتها لم تعد تخصها وحدها، بل تخصه هو أيضًا...

لكن، هل ما تسكنه يثرب وهمٌ صنعه عقلها المتعب؟ أم أن وراء الجدران عالمًا آخر، خطيرًا بقدر ما هو مألوف؟