من وسط غابات الدُجى، في فصل الشتاء، حيث يتعانق الضباب مع أغصانٍ عارية كالأسرار، بدأتُ أنسج الخيال بحكايةٍ لا تتكرّر. لم تكن حكاية تُروى على لسان أحد، بل فيضٌ من الهواجيس، تسكّنت في داخلي زمنًا، حتى لفظها القلم كأنّه ينزف. في كل سطر، كانت الغابة تحكم قبضتها على الذاكرة، تسحبني إلى عمقٍ لا يُشبه إلا الحلم، حين يصبح كابوسًا. إنها حكاية وُلدت بين الغيهب، المنطلق من غابات الدُجى، والنيار المشتعل في أطرافها... بين السواد الذي يبتلع الأصوات، واللهب الذي يلتهم الظلال، بين الشرسة الصامتة، التي تسكن أعماق الأرض، والنار التي لا ترحم، حتى في رقتها. كأنّها صراعٌ أبديّ بين الغموض والنور، لا غالب فيه إلا الحكاية نفسها. ليست هذه الحكاية من زمنٍ معروف، ولا من مكانٍ مألوف. هي نثرُ هواجيس، لا تُروى بل تُنسج، لا تُكتب بل تتسرّب من بين السطور. حكاية تولد في الفراغ، وتعيش في الظل، لا تبحث عن منطق، بل عن شعورٍ يلامس الغياب. في حضرة الغابة، وفي غياب اليقين، تصبح كل فكرة مأوى، وكل رعشة قلم، احتمالًا لحقيقة لم تُكتشف بعد. فليست الحكاية ما نكتبه، بل ما يكتبه بنا، حين نستسلم للتيه الجميل، ونمضي بلا خريطة، سوى خفقة شعور دُجى ♟️All Rights Reserved
1 part