
--- كانت **السماء مثقلة بالغيوم**، تتهاوى منها قطرات المطر كأنّها رسائل مبعثرة من السماء، تغسل الأرصفة الباردة وتلمع حجارتها العتيقة. في زاويةٍ من شارع ضيّق، حيث تختبئ المقاهي الصغيرة تحت مظلّاتٍ مهترئة، كانت هي تقفُ وحيدة، تمسك بطرف معطفها الداكن وتضمّه إلى صدرها اتّقاءً للبرد. لم تكن تتوقّع أنّ تلك الليلة ستغيّر شيئًا في حياتها. كان الهواء محمّلاً برائحة المطر، وصوت خطواتٍ خافتةٍ يقترب من بعيد. رفع رأسه فجأةً نحوها؛ شابٌ بدا كظلٍّ خرج من روايةٍ قديمة. **عينيه واسعتان غارقتان في حزنٍ غامض**، وفي ملامحه انكسارٌ يشبه انكسار الأمواج على صخورٍ صامتة. كان يعيش عزلةً طوعيّة، يراقب العالم من بعيد، لا يمدّ يده إلى أحد. لكن حضورها في تلك اللحظة أشعل شيئًا خافتًا في أعماقه. اقترب منها تحت المطر، ومدّ لها مظلّته بصمتٍ، فالتقت نظراتهما لأول مرة. نظرةٌ قصيرةٌ لكنها كانت كافية لتفتح نافذةً صغيرةً في قلبه الموحش. لم تكن تدري أنّ قلبه سيسير إليها بغير رجعة، ولم يكن يعرف أنّها تحمل في أعماقها ذكرى رجلٍ آخر؛ حبّ قديم ما زال يقيّدها مثل طيفٍ لا يغادر. ومع ذلك، في تلك الليلة، وتحت المطر، بدا كل شيء ممكنًا، وكأنّ المدينة كلّها تنصت لأنفاسهما. ---All Rights Reserved
1 part