
لم تكن تلك الليلة عادية، ولم يكن الظلام فيها مثل أي ظلامٍ مضى... كان ثقيلاً، خانقًا، وكأنه يُخفي في طيّاته سرًّا لا يُقال. المدينة بدت كجثةٍ ضخمة، أضواؤها خافتة، وشوارعها خالية إلا من صدى الريح التي تمرّ كأنها تهمس باسمٍ نُسيَ منذ زمن. في تمام الثانية بعد منتصف الليل، كسر رنين الهاتف سكون البيت القديم. صوتُ الجرس كان طويلًا... مريبًا... كأن الهاتف نفسه يصرخ طالبًا النجدة. على الطرف الآخر، كان الصمت أول ما سُمِع، ثم أنفاس متقطعة، تلتها جملة قصيرة غيّرت كل شيء: > "لقد حدثت الجريمة..." لم تُسمع بعدها سوى همهمة مبهمة وصوت سقوطٍ خافت... ثم انقطع الاتصال. في تلك اللحظة بالضبط، بدأت الحكاية. حكاية لا يعرف أحد من فيها الضحية ومن الجاني، من الصادق ومن الممثل ببراعة. حكاية تتشعب كشبكة عنكبوت، كل خيطٍ فيها يؤدي إلى خيطٍ آخر... وكل من يقترب أكثر، يعلق بها حتى الاختناق. في غرفة صغيرة مظلمة، جلس القاتل يراقب الأخبار على شاشة التلفاز، وابتسامة باردة ترتسم على وجهه. لم يكن يشعر بالندم، فقط راحة غريبة كأن ما فعله كان واجبًا مؤجّلًا. أما البريء، فكان في تلك اللحظة يفتح عينيه على كابوسٍ لم يبدأ بعد. أصوات الشرطة، نظرات الاتهام، وأصابع تُشير نحوه وكأنه ارتكب ذنبًا لا يُغتفر. المدينة لم تنم تلك الليلة. الناس خرجوا إلAll Rights Reserved
1 part