
كان حلمي أن أدخل كلية الطب. أن أرتدي المعطف الأبيض، وأمشي في الممرات اللامعة التي تفوح منها رائحة المطهّرات والعظمة، أن أسمع مناداة الناس لي بـ "الدكتورة"، أن أنقذ الأرواح، أن أترك أثراً في هذا العالم، أن يُذكر اسمي يومًا بين العظماء الذين خُلّدوا بأعمالهم لا بأموالهم. كنت أرى نفسي وأنا أضع السماعة الطبية حول عنقي كأنها وسام فخر، لا مجرد أداة. كنت أؤمن أن مكاني هناك ... بين المرضى، بين النبضات المتعبة، بين الدعوات التي تخرج من القلوب الموجوعة. كنت أؤمن أنني خُلقت لأكون شيئًا أعظم من طالبةٍ عادية. لكن... ها أنا هنا، في جامعة الاقتصاد. جامعة باهتة اللون، سقفها متشقق كأنها تشكو من قِدَم أحلامها، وجدرانها تردد أصوات طلاب لا يملكون طموحًا سوى اجتياز الامتحان والنجاة بيومٍ آخر. مقاعد متهالكة، أساتذة يكررون محاضراتهم كأنهم يلقون خطبًا على جدران صمّاء، وتعليم لا يُشعل فيك سوى رغبة واحدة: أن تهرب. كيف انتهى بي الأمر هنا؟ كيف تحول حلمي بأن أُنقذ البشر، إلى واقعٍ يعلّمني كيف أعدّ أرباح الشركات؟ كيف أصبحت أدرس نظريات عن السوق وأنا بالكاد أستطيع أن أجد نفسي وسط هذا الضجيج العقيم؟ يقولون إن الأقدار تختار لنا طريقنا، لكنني أحيانًا أظن أن القدر نفسه سخر منّي. سلبني الحلم، وألقى بي في مكانٍ لا يشبهني.All Rights Reserved