
لم يكن الفقد أول ما علّمته الحياة، بل الصمت. منذ رحيل والده، صار نهار يهاب الضوء، كأن كل شعاعٍ يذكّره بغيابه، وكأن الأمان لم يكن سوى كذبةٍ تذوب عند أول صباحٍ بعد الفقد. احتضنه آسر، العمّ الذي كان يملك وجهًا لا تُقرأ عليه المشاعر، وصوتًا هادئًا يخفي خلفه صخبًا لا يُحتمل. الجميع يراه رمزًا للقوة، رجلًا لا يُكسر، لا يُسأل، ولا يُقرّب. لكنه بالنسبة لنهار كان شيئًا آخر تمامًا... مأواه الوحيد، وهاويته في الوقت نفسه. مرت السنوات، وكبر الطفل الذي فقد أباه ليجد نفسه أسير نظراتٍ لم يكن ينبغي لها أن تتجاوز حدود البراءة. كل شيءٍ في حضرة آسر كان يربكه: ابتسامته النادرة، طريقته في إغلاق أزرار قميصه، وحتى نبرة صوته حين يناديه باسمه.All Rights Reserved