꒷ بيـن رمـال الهــجير. ꒷

بين رمال الهجير تبدأ حكايتي كأنها نافذة مفتوحة على اتساع الصحراء، حيث الشمس تُلقي بسهامها على الأرض حتى يكاد الرمل يغلي تحت الأقدام. هناك، وسط هذا الفراغ الممتد بلا نهاية، كنت أسير كمن يبحث عن معنى مفقود؛ خطواتي تُغرس في الرمال ثم تختفي، وكأن الصحراء تبتلع أثرها لتختبر مدى إصراري على الاستمرار. لا شيء سوى صمتٍ جاف لا يقطعه إلا صفير الريح، تحمله حبيبات الرمل وتدفعه في وجهي كرسالة مبهمة لا يفك رموزها إلا من عاش الغربة وذاق مرّ المسير.

في ذلك المكان، تشعر أن الزمن يتباطأ، وأن القلب ينبض بصوتٍ أعلى وكأنه يسابق العطش كي لا يخمد. تنضح السماء بلونٍ أزرق شاحب، كمن يراقب من بعيد ولا يتدخل، تتركك تواجه لهيب النهار ووحشة الطريق وحدك. ومع كل خطوة كنت أزداد يقينًا أن الهجير ليس مجرد طقسٍ قاسٍ، بل امتحان للروح، يعرّيها من ثقل الدنيا حتى لا يبقى منها إلا جوهر الصمود.

تعلمت هناك أن الرمال ليست كلها موتًا، ففي عمق الجفاف تولد البدايات. في الليل حين يهدأ القيظ ويهب النسيم البارد كعناقٍ مؤجل، يلمع القمر فوق الكثبان كمن يربت على قلب تعب من الترحال. أدركت حينها أن الحكايات التي تولد في الصحراء لا تنطفئ بسهولة، فهي نار هادئة، تعيش في الذاكرة كوميضٍ لا يخبو.

تلك كانت حكايتي بين رمال الهجير...
رحلةٌ صعبة لكنها مُ