## **⚜️ الفصل الأول: في ذكر أصل بَيْهْلُـول وفتنة المظاهر**

يا صاحبَ القلب، اعلم أنّ في كل مدينةٍ رجالًا تُفتنُ أبصارهم ببريقٍ لا جوهر له، فيحسبون أن الدنيا تُقاسُ بالذهبِ اللامع، لا بالعلم الرافع، وأنّ الفضلَ في الثوب، لا في العقل.

ومن أولئك كان **بِهْلُـول بك**، الذي طلع في دار النعمة طلوعَ بدرٍ في ليلةِ عرس، ليس لجميل خصالٍ يملكها، بل لمالٍ صبّ عليه صبًّا كالسيل إذا تدفّق. رُبّي على الترف، وغُذّي بالدلال، حتى غدا يرى نفسه ميزانًا للذوق، ومرآةً للحضارة، وهو لا يعلم من الحضارة إلا مظهرًا لا مخبرًا.

وكان أبوه رجلاً من التجار، جمع من الأموال ما يغيّر به أقدار الرجال، وما استخفّ بالعطاء، فسخا على ابنه سَخاءً أغراه بالتهاون، وأغلق عليه باب الجدّ، وفتح له باب اللهو والبطالة.

أما **راكِم أفندي**-وضده تمامًا-فقد خرج من بيتٍ متواضعٍ، لا يُنفق على ولده إلا ما يحفظ النفوس من ذلّ السؤال.
ولكنّ الله وهبه قلبًا راشدًا، وعقلًا راجحًا، فكان إذا جلس إلى كتابٍ جلس كأنّه يجالس حكيمًا، وإذا قرأ سطرًا استخرج منه معنى يضيء الفؤاد.

فشبّ الشابّان كما تنبت شجرتان:
إحداهما نبتت على ضفاف نهرٍ جارٍ، لا تعرف من الدنيا إلا الماء السهل،
والأخرى نبتت بين الصخور، فاشتدّ عودها، وقوي ساقها، وصلب جذعها.