في رواية تتنفّس البرد كما لو أنّه قدر، وتزفر الدفء كما لو أنّه معجزة، تنبثق «رحيق» من قلب المنفى لتصير شهادةً على امرأةٍ تُربّي نفسها من جديد وسط مدينة لا تُشبه صوت أمّها ولا طرقات حيّها التي حفظتها طفلة.
هنا، في ألمانيا التي تلمعُ كحدّ السكين، تتكاثر الأسئلة في صدر البطلة أكثر من الثلج على الأرصفة، وتغدو الروح أشبه بكائن صغير يبحث عن مأوى بين لغةٍ لا تكتمل ووجوهٍ لا تعترف بوجوده.
تسير رحيق بخطواتٍ متردّدة، تتعلّم الصمت، وتحاور وحدتها، وتراقب ملامح الغرباء كأنّها تقرأ فيهم مصيرًا لا تعرفه بعد. وفي لحظةٍ محايدة، لحظةٍ لا تشبه ولادة ولا موتًا... يظهر يامن.
لا يأتي كبطل، بل كرجفة. كوميض صغير يربك ظلام الغربة، كضحكة تطرق بابًا كان مغلقًا منذ زمن. يمتدّ حضوره أولًا كشيء عابر، ثم يتحوّل إلى محورٍ يدور حوله يوم البطلة وليلها، إلى سؤالٍ يوقظ ما ظنّت أنّه خمد، وإلى شعورٍ يجرّها من عقلها إلى قلبها دون استئذان.
«رحيق» ليست رواية حب... بل رواية اكتشاف:
اكتشاف امرأةٍ لثقلها وهشاشتها، لرغبتها في الانتماء، ولقدرتها المخيفة على أن تنجو، وأن تُحبّ، وأن تعود إلى نفسها وهي مختلفة تمامًا عمّا كانت.
عملٌ يأسر القارئ بلغة تتصبّب دفئًا وسط الجليد، ويقدّم حكايةً تلمع في الذاكرة كما تلمع نافذة مُضاءة في شارعٍ أل