عند الظهر قال سعد لرفاقه: ها قد جاءت أمي!ونظر الرجال إلى رأس الطريق المنحدر كالثعبان من التلة، وهناك رأوا امرأة في ثوبها الريفي الطويل الأسود تنزل قادمة صوبهم. تحمل على رأسها بقجة، وفي يدها رزمة من العروق الخضراء.وبدت لهم عجوزاً، في عمر أم سعد وفي قامتها العالية الصلبة، ومن خلال الصمت المخيم كصمت الموت، كان صليل الحصى تحت قدميها العاريتين يسمع كأنه الهمس.وقال أحد الأربعة:-أمك؟ أمك في المخيم يا أخوث..ضربك الجوع بالعمى!وقال سعد:-انتم لا تعرفون أمي..إنها تلحق بي دائماً، وهذه أمي.وصارت المرأة في محاذاة مكمنهم، وباتوا يسمعون حفيف ثوبها الطويل المطرز بالخيوط الحمراء،ونظر إليها سعد، من خلال أشجار العليق التي تسد مكمنه، وفجأة ناداها:" -يما يما".-وتوقفت المرأة لحظة، وأدارت بصرها في الحقول الصامتة حولها، وظلوا يراقبونها صامتين فيماأمسك أحدهم بذراع سعد وضغط عليها محذراً، لحظة، لحظة أخرى، احتارت المرأة، ثم عادت تسير.14خطوتان، ثلاث خطوات، واعاد سعد نداءه:" -يا يما ، ردي علي" !مرة أخرى وقفت المرأة، ونظرت حولها محتارة، وحين لم تر شيئاً أنزلت الصرة عن رأسها ووضعتهاعلى الأرض وأراحت فوقها رزمة العروق الخضراء، وحطت كفيها على خاصرتيها وأنشأت، بعينيها،تنقب في دغول العليق حولها.وقال سعد:" -أنا هون يما"!والتقطتPublic Domain