ظلمة شديدة.. لا يُرى بفضلها شيء .. وصوتُ خطواتٍ بطيئة .. مليئة بالثقة .. يترددُ صداها مشكلاً قرعاً ذا إيقاع متناغم .. تتوقفُ الخطواتَ .. و تمتدُ يدٌ لـ تفتح الباب .. يُصدرُ الباب صريراً مرتفعاً .. يوحيَ لسامعهَ أنه قد عاش دهراً.. يَدخُل الرجلَ .. و يُغلقُ الباب المتهاويَ خلفهَ .. جوَ بارد موحشَ .. و عتمهَ لا تطاق .. يَنظر .. فإذا حجرة صغَيرة أشبه بِزنزانة .. و سريرٌ حجري في إحدى الزوايا .. يرقد عليه جسدَ طفلة متهالك .. لا شيء يوحيَ بالحيّاة إلا صوتُ سُعالها الحاد .. تَسعلّ مرهَ تلو الأخرى .. بصوتٍ يوهمك أن روحها ستخرج في كل مره .. لم يبد أن سعالها قدَ أثار شفقه صاحبنا إذ تقدَم ببطئ .. حتى وصَل إليها .. نظر إلى وجهها .. آثار المرض نحتت عليه نحتاً .. لم تكن ترتدي شيئاً غير خرقة بآلية رغمَ الجو المثلج .. أمسك بيدها الباردة كقطعة جليد .. و سَحبها بِعُنف لِتقف .. صرخَ بـ عدة كلمات لم تعي معنى أيٍ منها .. فهو يتحدثُ بلغة ليسَت بلغتها .. غضب لعدم تجاوبها .. فرفعَ كفاً كالحديد وهوى بها على خدها .. نظرت إليهَ ببراءة .. و خدها يشتعل احمراراً فجأة يشتدُ سعالها و تقعُ أرضاً متعبه.. ويخرجُ هو متمتماً بكلمات غير مسموعهَ ولا مفهومهَ .. تُلمل اللحآف حولَ جسدهآ تطلبُ دفئاً .. ولسان حالها يقول : " ما الذي يحدث!" . .