rhea0_

Baby join me in death!

rhea0_

في صباحٍ لَم تَفِق الأرضُ فيه من سُباتِها
          كان الأفقُ يُهدهدُ السهلَ بعينِ الغيم
          والريحُ تسيرُ على مهلٍ، كأنها تخشى أن توقظَ الحنينَ الكامنَ في صدري.
          
          هنالك… عند أطراف المدى
          رأيتُ الماعزَ يرعى بطمأنينةٍ لا يفسرها سوى الريف
          والحصانُ قائمٌ كأنه ينتظر نداءًا لم يُرسَل بعد
          والدواجنُ تنقّبُ الأرضَ بأرجلٍ صغيرة
          لكنها أشعرتني بعظمة الأرض حين تُمنَح الحياة.
          
          أما بيتُها،
          فكان متواضعَ الهيئة، كريمَ الطلعة
          يُشبه البيوتَ التي تُكتب عنها في دفاتر العشاق
          بيوتٌ لا تُشيَّد بالحجارة، بل تُرفع على ساريةِ الدفء.
          
          ثم أطَلَّت…
          
          ما أطَلَّت امرأةٌ كما أطَلَّت هي! 
          
          خرجت من عتبة البيتِ كما يخرج الضوء من رحم الظلمة
          تقدّم خُطاها على مهل، لا تتعجّل اللحظة. 
          
          وجهُها يا لسناه! 
          كان طريّ القسمات، ناضرَ اللون
          وفي إشراقتها مسحةُ طُهرٍ، لا تُرى بل تُحَسّ
          كأنّها شمسٌ رُفِع عنها الحجاب.
          
          كانت تسيرُ والريحُ تتسلّى بعباءتها،
          تُحاور أطرافها، وتداعب حوافَّ الحجابِ الخفيفِ حولَها
          كأنّها تحرسُ أنوثتها من العين، وتعرضها في الوقت ذاته للدهشة.
          
          أما أنا
          فقد كنتُ أُقبلُ نحوها بخطىً مربَكة
          يحملني الهواء أكثرَ مما أحمله
          ووجنتاي تعبث بهما نسائمٌ لا أدري:
          أهي من السماء؟ أم من أثر طلعتها؟
          
          لمّا التقتني،
          حدّقتُ في عينيها لحظةً
          ظننتُ فيها أن الأرض سكنت،
          وأنّ صوتَ الحياة قد خَفَت،
          إلا من خفقةٍ واحدة… في صدري.
          
          ثم ابتسمت.
          
          ويا لتلك الابتسامة…
          لم تكن مجرّد حركة شفتين، بل أدفأ من الغيم كانت
          كأن في انعطافِ شفتيها حياةٌ كاملةٌ تُعرَض ولا تُمنَح.
          
          تحادثنا قليلًا،لا أذكر الكلمات، لكنني أذكر وقعها
          كانت كلُّ جملةٍ منها تلامس من قلبي ما لا يبلغه الشعر
          وكان صوتها... كأنه بلاغة الصمت، أو نغمةٌ من زمنٍ لم نَعِشه.
          
          ناولتها الكتاب بيدي المرتجفة 
          فأخذته بلُطف من لا يعلم ما خلفه.
          
          ثم ابتسمت لي مرةً أخرى…
          ابتسامةٌ لم تكن نسخة من الأولى،
          بل كانت أعمق، أكثر حضورًا... 
          
          ثم ودّعنا بعضنا…
          لا أعلم من أدار ظهره أولًا،
          لكنني أعلم أن شيئًا انكسر حين افترقنا.
          
          مشيتُ بعدها كما لا يمشي العابرون
          مشيتُ وأنا أحمل ظلّها في صدري
          وتمنّيت  لو وسِعني الزمن 
          أن نبقى هناك، عند الحقل
          نجلسُ على مرجٍ صامت
          ونعدّ زهرَ العشب… زهرةً زهرة
          نُلقي باسمها على كل وردة
          ونخبّئ في كل عشبةٍ شيئًا من اللقاء… لئلا يضيع...