انزلقت احدى قطرات المياه على زجاج النافذة التي تلقت نصيبها من البلل ،جراء لعب الصغار بمرش المياه في الحديقة الخلفية للمبنى .
ضحكاتهم كانت تتردد في الارجاء، يستطيع السامع ادراك مدى سعادتهم بذلك .
كان زوجيّ العيون العسليتين يراقب رؤوسهم الصغيرة التي كانت تظهر امام بصره ،ذهابا و ايابا راكضين في الارجاء ،احيانا يقومون باظهار وجوه مضحكة لاضحاكه او ربما لاغاظته .
يخبرونه انه لا يتمتع بقدر الحرية التي يتمتعون بها رغم ، لقد سئم بالفعل من حجزه هنا لساعة كاملة متواصلة ،بين اربع جدران لا تتعدى مساحتها الستة امتار مربعة.
كنبة سماوية متوسطة الحجم وطاولة خشبية كان ما كانت تفصل بين قطع الجلسة.
النافذة الكبيرة المغلقة ومصدر الشغب استقرت خلف الكنبة تسمح لخيوط الشمس بالتسلل الى الداخل إن فشلت الستائر السماوية عن حجبها.
خرج صاحب العسليتين من شروده بسبب نحنحة الواقف بجانب المدخنة التي صممت على هيئة للزينة ليس الا.
اقترب الذي بدا في منتصف عقده الثالث وجلس على الاريكة يلقي بنظرة نحو الجالس امامه قبل ان ينطق اخيرا بعد صمت طويل :لقد مرت ثلاث سنوات و نصف ،هل تريد معرفة ما قمتا بانجازه خلال ذلك ؟
لم يكلف نفسه عناء الاجابة و اكتفى بقلب عينيه يخبره الى اي مدى انه لا يهتم بما يود قوله فهو يعلم سلفا ،كيف لا و هذا ما كان يردده طيلة الاسبوع من بدايته على الاقل: صفر!
هتف و كانه يكشف عن مفاجأة كان يخبائها منذ فترة،اخذ نفسا عميقا وارجع غرته الكستنائية الى الخلف يرفع قدمه على الاخرى و يتابع :لو لم اكن اتقاضى اجرا على هذا لمَ كنت ستراني مجددا.
_صفر ..
رفع احد حاجبيه و كانه يسأل و الاخر قال مستهزا بالاول :مستوى اخلاقك المهنية يا عزيزي .
_اذا .مستواك الاخلاقي سيكون اسوء بكثير ،انا كطبيب نفسي احيلك لمختص تربية!
_عظيم !،سيكون ممتعا رؤية عجوز ثلاثيني يتلقى دروسا في الاخلاق مع مراهق!
_بل وسيما ثلاثيني!
علق و ابتسامة تحمل الكثير من الغرور تتراقص على شفتيه :لكن بدون اخلاق.
أضاف بملل و الاخر لم ينزعج بل قال :لو علم سراج فقط !
_ذلك الاصلع ،لقد مرت عشرة اشهر منذ ان رأيت وجهه !