تحت شجرة الرمان

197 2 2
                                    

في تلك الغرفة التي تخنقها رائحة التبغ ، وقف " آرثر " يراقب الرجل القابع أمام شاشة التلفاز ، والذي كل ما يفعله  في هذه الحياة هو تدخين السجائر و الثرثرة بكلام غير مفهوم ...

" هل تريد مني شيئا ؟ " قال ذلك بنبرة متعبة ، لم يكلف الآخر نفسه عناء الاستدارة نحوه ، رمى سيجارته و التقط سيجارة جديدة ، ثم قال " لا ، اذهب الى النوم "

سار " آرثر" الى غرفته و ارتمى على سريره ، إنها الليلة الأولى من شهر آذار ، أو" اليلة الملعونة " كما يزعم اهالي المدينة ، تلك الليلة التي ينتظر فيها الوحش ضحاياه ليتغذى عليهم قبل أن يعود للنوم مرة أخرى ....

نظر من خلال النافذة الى آخر شجرة رمان تبقت في المدينة ، أغمض عينيه و تخيل نفسه مع إخوته و هم يلعبون حول تلك الشجرة لترتسم على شفاهه ابتسامة كئيبة ، كل ذلك بات من الماضي ، حتى أشجار الرمان التي لطالما كانت معلما جميلا و منبعا للذكريات ، غدت شيئا مشؤوما يهابه الناس ....

تمنى آرثر ان يقفز من تلك النافذة ليلحق بأخوته ،أراد أن يحتضنهم بقوة و يخبرهم ان الحياة قد كانت علقما بدونهم ، امسك عارضة النافذة و هم بفعل ذلك حقا ، و لكن نظره وقع على الشجرة ، ليلمح شيئا غريبا ، دقق نظره ليرى فتاة صغيرة تحملق بعينيها البريئتين فيه ... ظن أنه يتخيل ، اغمض عينيه و فتحهما ثم نظر إلى النافذة مرة أخرى ، كانت الطفلة لا تزال في مكانها تحت الشجرة ، أمسك آرثر بكشافه اليدوي و تحقق من أن ذلك الرجل نائم ، ثم سار على أطراف أصابعه للخارج حتى وصل الى مكان الشجرة

كانت الفتاة تختبئ هناك ، و لكن ما أن رأته حتى خرجت إليه بحياء و قالت " سيدي ؟ هلا ساعدتني على العودة الى المنزل؟ " جثا آرثر على ركبتيه ليصل الى طولها و مسح دمعتها الهاربة من عينها ، ثم قال " طبعا يا صغيرتي ، هل تذكرين أي شيء يميز منزلك ؟ "

" نعم ، اخبرتني امي يوما انه في شارع غوربون "

" اه ، نحن بالفعل في هذا الشارع "

التفت الفتاة نحو المنزل الذي خلف الشجرة و قالت " إذن ، هذا هو منزلي ؟!"

" لا يوجد إلا منزلان في هذا الشارع ..." قال آرثر ذلك وهو ينظر إلى ذلك المنزل ، اقترب منه بخطوات حذرة و ألقى نظرة من النافذة ، كان من الواضح أنه مهجور تماما

" أ أنت واثقة من أن منزلك في شارع غوربون ؟"

" نعم ، وهذا المنزل يبدو تماما كمنزلي ... " قالت ذلك وهي تدفن رأسها بين ركبتيها ، توقفت ثم أردفت بصوت مجحرش بالبكاء

" لقد ظننت أن أمي تمزح عندما قالت انها ستغادر المدينة ، و لكن منذ أن توقفت عن زيارة قبري ، أدركت أنها جادة ، انتظرت عودتها بفارغ الصبر ، و لكنها لم تفعل ، لقد تركتني وحيدة في ذلك المكان البارد "

تحت شجرة الرمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن