الفصل الاول

6.6K 81 4
                                    

*البداية*

تَطَلَّعت إلى أركان الشقة _ إن جاز التعبير _ باهتمام ظاهري، مُحاوِلَة إخفاء رجفة جسدها عن مُرافقها كي لا يستغل وضعها أكثر، جالت ببصرها على الجدران المُتسخة والبلاط العتيق، ثم انتقلت بعينيها إلى الطاولة التي تتوسط الغرفة الوحيدة بخشبها المتآكل وهي تلمح أحد أرجلها المائلة بوضوح، زفرت باستسلام واستدارت عائدة إلى الخارج مرة أخرى ترسم على وجهها لامبالاة وضيق مصطنعين متسائلة:

- ألا ترى أن الإيجار الذي تطلبه كثيرا يا حاج؟ إنها غرفة بسيطة بالطابق الأرضي.

عقد الرجل حاجبيه وهتف بنزق:

- ألا تعلمين يا آنسة كم ارتفعت أسعار إيجارات العقارات؟ ألا تدركين أن تلك الغرفة يأتيني زبائن يتوسلونني يوميا كي أوافق على تأجيرها لهم؟ إن ظللتِ تبحثين في المنطقة بأكملها لن تجدي مثل ذلك السعر الذي لا يعجبك.

اقتربت منه خطوتين قائلة بأسف:

- أعتذر يا حاج، لم أقصد أن أُقلل من قيمتها، لكن أعذرني، أنا لازلت ببداية حياتي ووحدي، كما أن عملي لا يـ.....

قاطعها بصرامة:

- ولهذا السبب بالتحديد يجب أن تشكرينني لأنني وافقت على تأجيرها لكِ في الأساس، فلن تجدي بسهولة من يسمح لفتاة وحيدة بالسكن في بناء سكني عائلي.

ازدردت لُعابها وأشاحت ببصرها بعيدا وتلميحه يصل إليها واضحاً، فقد رفض ثلاثة من أصحاب البناءات السكنية السماح لها بالتأجير لديهم بالفعل، فبمجرد أن يعلم المؤجِر أنها فتاة وحيدة يذهب ترحيبه بلا عودة.

رَفَعت رأسها تنظر له باستسلام قائلة:

- كما تريد، سأنتقل غدا بإذاً الله.

تنحنح بخشونة قائلاً:

- لا تنسِ دفع شهرين كمُقدم، كما أنني لا أسمح بتأخير الإيجار عن اليوم الثالث بالشهر.

وافقته بإيماءة بسيطة من رأسها ثم حيته وتجاوزته إلى الخارج.

**********

أغلقت حقيبة ملابسها ثم وضعتها بجوار الأخرى التي تحوي كتبها، جلست على فراشها منهكة وهي تُحدق في كل جزء بغرفتها البسيطة مبتسمة بشجن، على ذلك المكتب كانت تقضي لياليها ساهرة تذاكر دروسها، أمام تلك النافذة انتظرت بالساعات من يأتي وينتشلها من مأساتها، داخل تلك الخزانة اختبأت من زوجة خالها وهي تسعى خلفها بالعصا الغليظة، ثم انتقلت ببصرها إلى الفراش الذي تجلس فوقه فشابت ابتسامتها المرارة وهي تستأنف تأملاتها، كم من مرة تم عقابها بالنوم أسفله- رغم خُلُو أعلاه- ليال أخرى؟!

مَسَّدت على ذراعيها ببطء تحث نفسها على درأ الحزن والخوف والتمسُّك بالتفاؤل بالمستقبل، يكفيها معاناة منذ أن بدأت تعي ما حولها ، الآن هي لن تفكر إلا بكفاحها وبنجاحها وستعمل عليهما بكل جهدها، ولن تسمح لأحد بأن يُزعزع ثقتها الوليدة بنفسها.

سكن روحي للكاتبة سعاد محمدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن