قمة الخذلان، أن أحفظ عهدكِ، وأصون ودَكِ وأُذكر نفسي بأنني يجب أن أراعي ما بيني وبينك، وفجأة يضيع في لحظةٍ كل شيء.
صغيراً تجرعت مرارة الحرمان والغربة، وكأنما تكوّنت روحي وشُكّلت لتنسجم مع بيئتيهما وقسوتيهما، لم أتحسس ملمس الطفولة التي عاشها أقراني، فالظروف جعلتني أحرق المراحل التي تفصل بين الطفل والرجل، وأرمي طفولتي جانباً وأتقمص صورة الرجل في سن مبكرة، لتطبع السنين بصمتها على ملامح وجهي.
ما بين صدري والمقابر، علاقات بالاسم والمعنى ودفن الضحية، الفرق بأنّ المقبرة تدفن أموات، وأنا دفنت أشياء بالصدر حيّة.
قمة الخذلان أن أعلمك أول دروس الوفاء، وتلقينني أنتِ أقسى دروس الغدر، أن أوفيك كل حقوق العشق، وتسلبيني أنتِ كل حقوقي الإنسانية لأدور حول نفسي في حلقة مفرغة، أبحث عن الأسباب والمسببات.
أحتاج إلى الهدوء جداً، ففي داخلي ضجيج مدينة من الحنين، وفي قلبي أشلاء حكاية ممزقة، وفي عيني ملح بكاء ألف ليلة وليلة.
قمة الخذلان أن أحدثك عن غدر الأحبة، فتصبحي أنتِ أول الغادرين في سجل عمري، أن أحدّثكِ عن خيبات العشاق، فأصاب منكِ بأكبرالخيبات في جل حياتي، أن أشكو لكِ ظلم المقربين، فتكوني أنتِ سيدة الظالمين لقلبي، فبعد هذا لمن أشكو جورك وظلمك؟
لا يُوجَد أحَدْ مَضمُون فِي هذَه الدنيَّا، فحَتَّى قُلوبَنَا التِي هِي لَنَا سَتَخْذِلُنَا يَومَاً مَا وتَتَوَقفُ عِنْ النَبْض.
قمة الخذلان أن أُسكنك عيني، فتصبي الرمد بعيني وتذهبي، أن أسكنك روحي فتحرقيها بلهيب جحودك وترحلين، أن أسكنك قلبي فتركلين القلب بكل قسوة وتمضين، فمن الذي علمك كل هذاالجفاء.
كي لا نسمح لِلخُذلان بِالتسرُب إلينا، علينا ألا نَرفع سقف توقعاتنا بأحد.
الحياة همست في مسامعي يوماً، وأوصتني ألا أعوّل على الآخرين، وأن لا أعقد خط آمالي على سبل السراب.
نحاول الاحتفاظ بهم قدر استطاعتنا، لكنهم يتسربون منها ويتساقطون، كقطرات الماء كحبات المطر، نحاول جمعها ولا نستطيع، نحاول التقاطها ونفشل.
لن أنس من كان بجانبي عندما احتجته، ولن أنسَ من تخلّى عني وخذلني، ففي الحالتين هناك بصمة لن تُنس أبداً.
قمة الخذلان أن أهبك الثقة فتضيعيها، أن أنشد في ظلك الأمان فتسلبي مني أماني وإستقراري، وتتركيني هائم على وجهي وقد فقدت ثقتي بكِ وبنفسي وبكل من حولي، فأي خذلانٍ هذا الذي ألبستيني إياه، حتى صار الخذلان لباسي ووسادتي وغطائي.
خسرت كل شيء، ولم أعد أحلم بأي شيء، الهدوء هو كل ما أطمح إليه بعد أن احتفظت بمبادئ روحي في ضياع كل شيء.
إن كان الفراق ما تصبو إليه، فهو لك نفّذه لا تتردّد، اجلدني بسياط بكل قوتك، فلن يكون سياط الفراق، أقسى من سياط الخذلان.
قمة الخذلان أن أنهض من نومي متألماً، أتحسس ظهري فإذا بطعنتك قاتلة، وجرحي منك ينزف والظهر مشطور لنصفين، أوما كفاني ظلم الأيام لتكوني أنتِ والأيام ضدي.
أصعب شيء أن يموت في عينيك إنسان وهو حي.
قمة الخذلان أن أبقى معكِ شهوراً وشهوراً، أنتظر بلهفة اكتمال سعادتي معك، وعندما سنحت الظروف وهبتني كل تلك السعادة لرجل سواي وكأنه هوالأجدر مني بتلك السعادة المنشودة والمترقّبة منذ شهور.
انكسرت الكأس بقبضة قسوتك، وانسكبت الأحلام، وبلل ماء الأماني أرض الواقع القاحلة، فاجمعه الآن إن استطعت.
أكداس الكآبة تجثم على صدري بقسوة، والحزن يسترخي في ممرات روحي، والليل يرسم لشحوبته ألف وطن تبدأ حدودها من عيناي.
يتحدثون عنهم في غيابهم، يستلذون بطعم لحومهم الميتة، يمضغون ولا يبالون، فحتى الأموات لم يسلموا من طعنة الغدر والخذلان.
الخذلان أن أكتب عنكِ وأكتب وأكتب، فتجمعين حروفي، تزخرفينها وتزينينها وتهدينها لرجلٍ آخر وتتفاخرين أمامه بأنكِ سيدة العشاق لديه.
وحيداً في هذه اللحظة، تحيطني أوراقي وأقلامي وسفر من الرتم الدامع، والإحباط يعصف بي من كل جانب.
احتفظ بأحلامك الجميلة تحت وسادتك، ومارسها كل ليلة بينك وبين نفسك، ولا تضيع عمرك في صنع أجنحة تطير بك إليهم، فهم لا يستحقون أن تمنحهم حلم الطيران، فأول ما سيفعلونه عند وصولك إليهم، قص أجنحتك وكسرك علناً.
قمة الخذلان أن أدخرعمري لكِ، وأغلف قلبي لأهديه إليكِ، وأصون عواطفي من الصدأ والتآكل، لأبقى دائماً على أهبة الاستعداد لكِ وأنتظرعمركِ أن يشاركني باقي العمر، فيأتي آخر فتهبينه عمرك راضية مرضية، ويستولي على مكاني لديكِ، ولساني يقول قد كنتِ ولكنكِ الآن لستِ ذات شأنٍ لدي.
الخُذلان مُؤلم حين يشبعنا حد الوجع، حد الانتهاء من كل شيء لا نحتاج إلا أن نسمع له، نسمع صوت ذلك الذي سبب حُقنة الألم داخلنا، صوته ما زال يَدوي لأنك لن تنس.
عندما تعطي إنسان القدرة على كسر قلبك، وتثق بأنه لن يتجرأ ويفعلها حينها يصبح وحينها فقط، الخذلان مؤلم مؤلم مؤلم.
قمة الخذلان أن أجلسكِ على عرش قلبي أميرة، وأنصبكِ على روحي ملكة ، وأتحدث عنكِ بإنبهار فتبهريني، وتفاجئيني بأن هناك رجل آخر، قد جلس على عرش قلبك، أخذ مكاني وكل صلاحياتي وسرق مني انبهاري العظيم بكِ.
كم هو مؤلم أن تتلقّى الطعنات ممن أسكنته تجاويف قلبك، إنسان أحببته بإخلاص، ووثقت به ووهبته الحب والمشاعر الصادقة، بنيت معه أحلاماً
جميلة ووعوداً متواضعة، عندما جعلته فوق كل شيء، حلقت بك عالياً ولكن يطعنك من خلفك.
قمة الخذلان أن أنتظرك مع إشراقة كل صباح، وأترقّبك مع طلة كل قمر، وأن أكتبك بمداد العمر، أنك سيدة العمر، فتخذليني، وتخذلين انتظاري، فأضيع ويضيع عمري، لأصبح في غمضة عين هباءً منثوراً.
قمة الخذلان أن أحدثك عن أحلامي وطموحاتي، وأشياء كثيرة أود أن تتحقّق لي بقربك، ولكن وفي لحظة جنونية دائمة منكِ تسرقي مني أحلامي وطموحاتي وتهبينها لرجل غيري.
تعالت صيحة الخذلان في مسامعي، وانتشرت في جميع مفاصلي، وتمدّد الصمت في مساحات حنجرتي وانزويت بعيداً، تتقاسمني أوراقي ومعاطس أقلامي وريشة وتري، والانكسار سيّد المشهد، وفي داخلي دمعة مكبلة منذ سنين، أسمعها في داخلي تتدحرج وتقف في مفترق أنفاسي ولاتخرج.
قد يَمر الإنسان بلحظات لا دخل لهُ فيها، أمور يصعُب عليه فهمها، تُسبّب له نوعـاً من الإحباط المفاجئ ويتذمّر من الحياة والحظ، ويعيش في مُكعّب كوّنته أفكاره، شكّلته تطلعاته، فيظل فيه مِحبوساً لا يتقدم ولا يتأخّر، لا يتكلّم ولا يحلم، هذه الأمور ظلّت صَعبة على العامة فهمها.
ليسّ كُل خذلان يُحكى يا صديقي، بعضَها تتعثرُ بهِ الحُنجرَة.
أستطلع الأيام فيلوّح لليأس ألف أفق، فألوذ بحضن وحدتي والبرد يتوغّل في أوردتي وشراييني.
ستغادره وهي تقول عذراً يا رفيق، ليس هناك مجالٌ لصداقة من أي نوع، سبق السيف العذل، ستظل في ثنايا ذاكرتي حلماً جميلاً لم يكتمل وجرحاً بليغاً.خواطري مع حبيبي