أشرقت الشمس على مدينة ديجون بفرنسا، ومدت خيوط اشعتها الذهبية عبر نافذة غرفة دانيل ابتسمت دانيل وهي على وشك الاستيقاظ من نوم عميق .
ابتسمت وهي تشعر بنور اشعة الشمس الصافية على عينيها، وبنسيم الهواء الهادئ الذي يداعب خصلات شعرها وهو يدخل عبر نافذة غرفتها بنعومة وانسيابية .
فتحت دان (اختصار دانيل) عينيها البنيتان الصافيتان وعلى وجهها نفس الابتسامة الرقيقة .. وفجأة تحجرت ابتسامتها عندما نظرت الى ساعتها لتراها مشيره للحادية عشر الا خمس دقائق فانتفضت من مكانها وركضت مسرعة نحو دورة المياة، غسلت وجهها واسنانها ثم هرعت الى غرفتها لترتدي ثيابها وتسرح شعرها وتحضر حقيبة سفرها.
وبعدما انتهت من تجهيز نفسها، حملت حقيبتها وتوجهت الى المطبخ لترى والدتها وهي منهمكة في تحضير الافطار .
قالت دان: صباح الخير أمي
التفتت والدتها اليها وعلى شفتيها ابتسامة حنونة
وهي تقول: صباح الخ.. ماهذا يا دان؟ اراكي مستعدة للسفر الأن
اجابت دان وهي متجهة ناحية والدتها: نعم يا امي لقد تأخرت نصف ساعة عن ميعاد استيقاظي ولابد ان اكون في المطار الأن لأنهي اجراءات السفر الى لندن فكما تعلمين موعد طائرتي الثانية ظهرا واحتاج لكل دقيقة من وقتي لكي لا اتأخر
تأملتها والدتها وهي تتكلم الى ان انهيت كلامها
فقالت: ولكن لن اسمح لك بالذهاب الا بعد تناول الفطور
دان: لا يا امي سأتاخر من الافضل ان تحضري لي بعض الشطائر وسأتناولها في الطريق
والدتها: كل ما اخشاه من سفرك هذا ان تتأثر صحتك نتيجة اهمالك في تناول وجبة الفطور
دان وهي تقبل جبين والدتها: لا تخافي سأحرص على تناولها ولكني الأن متأخرة ومضطرة للرحيل
والدتها: انتظري يا دان حتى احضر لكي الشطائر
دان: حاضر يا امي ولكن اسرعي فالوقت تأخر
وذهبت دان لترتدي حذائها وحملت حقيبتها على ظهرها واستعدت للخروج وهي واقفة امام باب الشقة؛ جاءت الأم مسرعة نحو دان وهي تناولها الشطائر، قبلت دان والدتها التي شرعت في البكاء لفراق ابنتها الوحيدة .
فأخذت دان تربت على كتفها قائلة: لا تحزني يا امي فعندما اعود اليكي اعظم مهندسة سوف تدركين اهمية هذا السفر بالنسبة لي .
احتضنت الأم وجه ابنتها بين كفيها وهي تقول: اعلم يا ابنتي ولكن فراقك سيجعل حياتي موحشة فأنتي الوحيدة التي استأنس بها في حياتي، ماذا سيبقى لي من بعدك؟
ابتسمت دان لوالدتها وهي تقول: انا مازلت حية يا امي وسأعود اليكي بعد نهاية الفصل الأول، وسأتصل بك يوميا لأطمئنك على صحتي واطمئن على احوالك .
ابتسمت الام بدورها ابتسامة حنونة قائلة: الى اللقاء يا عزيزتي دان
ثم احتضنتها بقوة شديدة حضن فجرت خلاله كل مشاعر الأمومة الكامنة .
فتحت دان الباب وخرجت مسرعة من البيت محاولة اخفاء دموعها التي تساقطت بالفعل على وجنتيها والتي حاولت كثيرا ان تخفيها عن والدتها اثناء الوداع
نزلت مسرعة تاركه وراءها والدتها وبيتها وغرفتها لأول مرة في حياتها وكم كان يصعب عليها هذا الفراق ولكن هذا ما يطلبه القدر لذا ستحاول التحمل حتى تنهي دراستها الهندسية في جامعة اكسفورد
وتعود الى والدتها لتعمل وتكد وتخرج من حياة الفقر الى الأبد .
وقفت دان في الشارع تنظر الى ساعتها بتوتر وتراقب الطريق يمينا وشمالا بحثا عن سيارة اجرة تنقلها للمطار وفجأة ظهرت سيارة من بعيد فأشارت لها دان فتوقفت ثم استقلتها وهي تهمس بصوت منخفض: اخييرا
- الى اين آنسة؟
دان: الى المطار من فضلك
سارت السيارة وفي نفس الوقت بدأت تتوارد الافكار في عقلها تذكرت كل شيء من البداية
تذكرت احداث وفاة والدها وهي ابنة 5 اعوام في حادث سيارة وكيف تغيرت حياتها بعد وفاة والدها من سيء الى اسوأ
فبموت والدها فتحت الملفات القديمة وبدأت المحكمة تطالب والدتها بسداد الديون اقترضها والدها لتمويل مشاريع خاسرة،
وكيف ان هذه الديون دمرت حياتهم وجعلتها جحيما فبعد ماكانوا يعيشون في قصر انتقلوا للسكن في حي فقير من احياء مدينة ديجون وخسروا كل شيء يملكونه للوفاء بالديون
وبدلا من سمعتهم الطيبة لأصلهم الكريم انتهى بهم المطاف لمواجهة نظرات الشماتة في عيون الاخرين حتى تعذبوا واضطروا لترك المدينة ليذهبو لمدينة لا يعرفهم فيها احد
وتذكرت كيف كافحت والدتها وناضلت لتحظى هي بتربية مثالية حتى دخلت كلية الهندسة بجامعة ديجون وبسبب تفوقها في الدراسة حصلت على منحة مجانية لدراسة الهندسة في جامعة اكسفورد بلندن
مما اسعدها كثيرا واعطاها بريق امل جديد ان تعمل بعد تخرجها في شركة مرموقة فتستطيع من خلال الراتب الحصول على معيشة هنيئة لها ولوالدتها .
- وصلنا يا آنسة .. الاجرة 50 يورو
دان: بكم ادين لك؟
- قلت 50 يورو
دان: اه اسفة .. ومدت يدها في جيبها لأخراج النقود قائلة: تفضل
- شكرا
ونزلت دان لترى نفسها امام المطار مباشرة علقت حقيبتها على كتفها ودخلت المطار لتبدأ مع دخولها لمرحلة جديدة من مراحل حياتها وتقلب صفحة قديمة .
ياترى هل احلامها الوردية ستتحقق؟ ام ماذا سيحدث؟
