نوفيلا.. فتاة القدر.. كاملة

2.5K 84 12
                                    


__ رفيف ، استني .
اسرعت خطواتها ليسرع خلفها قليلا قبل ان يقبض على رسغها ويجذبها اليه : قلت لك استني .
سبّت نفسها ولعنتها لأنها لم تستطع ان تتفوق على سرعته ، لم تستطع الركض فتغيب عن انظاره .. لم تستطع الهرب فتختفي من عالمه .
همست بصوت ابح وشى بدموعها المنهارة خلف نظارتها الشمسية : سبني من فضلك .
__ لا . همسها بصرامة .
حاولت التملص ولكنها لم تستطع لتتأوه بخفوت فيهمس هو بنبرة هادئة : اوعديني انك مش هتهربي وانا هسيبك .
اومات براسها في طاعة ليفلت ذراعها من بين اصابعه وهو يتنهد بقهر افتعله قبل ان يتابع في مرح : مش هنسى ابدا اني مسكتك كده ، انتي جميلة اوي .
تخضبت وجنتيها سريعا ولكنها سيطرت على حيائها وهي تكتف ساعديها امام صدرها : وبعدين ؟!
عبس بغضب : انت عارفه .
هزت راسها نافية : لا انا مش عارفه ومش عاوزة اعرف ولا عاوزة حاجة خالص ، كل اللي انا عاوزاه اني ارجع بيتي ودنيتي .
زفر بحنق : ايوة ترجعي البيت عشان تدفني نفسك جوه ورقك وكتبك مرة تانية ، وتبني سدود كتيرة حواليكي ، سدود معرفش اهدها ولو بعد مليون سنة .
رفعت عيناها اليه : يا ريتك ما عرفت تهدها المرة اللي فاتت ، حازم انا تعبت .. بجد تعبت ، ارحمني وسبني ، انساني وروح عيش حياتك زي ما مامتك عاوزه ، ارضيها وصدقني مش هازعل منك ، انا لو ام هابقى عاوزه ابني يرضيني .
__ وانا مين يرضيني . القاها بحدة ليتبع - انا عاوز ارضيها . ايوة دي امي حبيبتي اللي مقدرش استغنى عنها ، لكن برضه المفروض انها تدور على سعادتي .
اقترب منها ليهمس امام عينيها : وانا سعادتي معاكي يا رفيف .
غرقت في بحر عينيه بلون حدقتيه الفريد ،لم ترى مثله من قبل ، كان هذا سر انجذابها له ، حدقتيه بلونهما الاخضر الزرعي ، رائقتين دوما وكانه لا يحمل من الدنيا هما ، يبتسم فتتلألأ حدقتيه بوميض يخطف الابصار ، هو ليس جميلا ولكنه وسيم بعينين لا مثيل لهما .
اخفضت بصرها عنه لتهمس بصوت باك : سبني امشي يا حازم .
زفر بضيق والغضب يحتل ملامحه ، فضغطت شفتيها ببعضهما واكملت : اوعدك اني مش ههرب ، مش هقفل تليفوناتي وهرد عليك لما تتصل ، بس انت كمان توعدني انك هتفكر في كلام مامتك وتدور على واحدة تانية تتجوزها .
لم ترى عاصفة خضراء من قبل ولكن الان وهي تسقط فريسة عينيه الغاضبتين رات ويا ليتها ما رات ، فخافقها اعلن عصيان تام ضد رغبتها الحمقاء في الابتعاد عنه .. تركه .. والهروب منه ، ولكن هي الاخرى تمردت لتهمس بصوت جامد لا حياة فيه : اوعدني يا حازم والا المرة دي مش هتعرف توصلي ابدا .
اشاح براسه : امشي يا رفيف ، ولا اقولك هامشي انا .
تركها وانصرف بخطوات غاضبة وملامح متجهمة ، ولأول مرة منذ ان بدأت لقاءاتهما خارج العمل يتركها قبل ان يطمئن عليها ، و يتأكد من كونها جالسة بسيارتها مستعده للانصراف فيودعها وهو يهمس لها بان تهاتفه عند وصولها لتطمئنه عليها ،ولكن في كل مرة من المرات السابقة ،كان يهاتفها وهي تصف سيارتها بالمراب وكانه يحصى دقائق وصولها الى البيت ، فتضحك وتخبره : لو كنت استنيت دقيقة كمان كنت كلمتك انا
فيخبرها بصوت اجش ونبرة مواريه تعرفها جيدا : مش قادر استنى يا رفيف ، يارتني كنت اقدر .
***
__ انسة رفيف .
رفعت نظرها من فوق شاشه حاسوبها باستفهام فارتدت الى الوراء بدهشه وهي تتأمل ذاك الغريب الذي يحدثها ابتسم بلباقة : حازم ثروت من ال H.R .
هزت راسها بإيماءة لم يفهم منها اهي تحييه ام تصرفه فتابع وهو يجلس فوق احد الكرسيين امام مكتبها : حضرتك مبعتيش الورق اللي احنا طلبناه .
رفعت حاجبيها بتعجب :ورق اية .
__ بنعمل filles جديدة للموظفين كلهم وطالبين منكم داتا ، الكل جابها بس انتي لا .فحبيت اقولك بنفسي بدل جو المسدجات ده ، يمكن تكوني مشغولة اوي فمش بتشوفي تليفونك ولا حاجة .
عقدت حاجبيها بريبة وهي تتساءل بداخلها " أيسخر منها ، ام يؤنبها وكأنها طفلته الصغيرة ؟! "
زفرت قويا : اه طيب حاضر هبعت الورق مع اونكل عماد ،عبس بعدم فهم - اونكل عماد !
عضت شفتها بقوة وهي تشتم نفسها سرا على غبائها لتتابع بنبرة متوترة تملكتها : سوري ، اقصد استاذ عماد .
رد بتساؤل اكثر من اجابة : تقصدي استاذ عماد المنشاوي رئيس تحرير الجورنال .
كحت بخفة وهزت راسها بالإيجاب لتهمس مفسره دون سبب يدفعها الى ذلك سوى تساؤلاته التي لمعت بلون المروج في حدقتيه : اه اصله صاحب بابي .
قفز حاجبيه وردد تلك المرة بنبرة ساخرة وصلتها جيدا : اها بابي ، قُلت لي .
احتقن وجهها بقوة : قصدك اية ؟!
نهض واقفا : لا مش قصدي حاجة يا استاذة ، عموما براحتك خالص ، تبعتيها مع البيج بوس تجيبيهم سيادتك احنا تحت امر بنت صاحب رئيس التحرير ...
زفر بقوة وهو يستغفر كثيرا ويدعو كثيرا ، تريد منه نسيانها وهولا يستطيع ان ينسى اول مرة حدثها فيها ، لا ينكر انها جذبته برقتها الفطرية وروحها العذبة ، منذ ان انتقل الى العمل في تلك الجريدة وهي يراقبها تغدو وتروح من امام مكتبه ، رغم مشيتها الواثقة الا انها تنأى بنفسها عن الجميع ، فلا اصدقاء لها حتى زملائها من الصحفيين لا تندمج معهم الا بخصوص العمل والذي نادرا ما يجمعها بأحدهم ،تعتكف في مكتبها امام حاسوبها وبين اوراقها ، منذ التاسعة صباحا الى الخامسة عصرا تغرق نفسها بالعمل ، فقط تحركاتها من والى الكافيتريا تكون من اجل القهوة ، سال عنها كثيرا ولكنه لم يصل الى اجابات شافية ، الا ان جميعهم لقبونها بالمغرورة او العاكفة ، فقرر ان يقتحم محيطها بنفسه لتصدمه بانها ليست مغرورة او عاكفه بل هي تعمل بالواسطة وهذا اكثر ما اغضبه !!
ادار سيارته ليعود الى بيته وهو يتذكر بانه لم يقتنع بذلك ايضا وخاصة بعد ان قرا احد مقالاتها فاكتشف انها صحيفة موهوبة ومجتهدة ومن الاحاديث المتناثرة عنها استنتج انها لا تستغل واسطتها لرئيس التحرير ابدا ، الا في امر الورق ذاك ، بحث كثيرا عن اي معلومات تخصها لكنه لم يتوصل لشيء فتمكن منه الضيق وقرر انه يتناسى وجودها الى ذاك اليوم الذي اكتشف فيه سبب تباعدها عن الجميع !!
***
__ حمد الله على السلامة يا روح بابي ، تعالي .
انتبهت على صوت والدها حينما دلفت من باب البيت ، اخفت ضيقها منه بداخلها لتبتسم وهو يشير اليها بيده فاقتربت صاغرة فرغم كل شيء لا تستطيع الغضب من والدها ، فهو سر وجودها بالحياة وهو من اعتنى بها طوال عمره ، لم يشأ الزواج بعد وفاة والدتها وهي تلدها وقام هو برعايتها .. تربيتها .. وتنشئتها ، كان ولازال يهتم بأدق تفاصيلها ، مهووس هو بها كما اخبرتها خالتها في احدى المرات لتغضب منها حينها ولكن بعدما حدث وما فعله اوشكت ان تقتنع بفكرة خالتها ، وان اباها مهووس بوجودها في حياته !!
ربت على ظهرها بمودة وحنان ابوي لطالما اسعدها ليسالها برقة وهو يقترب بجلسته على الاريكة منها : انتي لسه زعلانه مني يا روفي ؟!
ازدردت لعابها ببطء وقالت بصوت ابح اظهر مدى حزنها : ابدا يا بابي ، هو نصيبي كده .
زم والدها شفتيه برفض ليصيح بحدة وهو ينهض واقفا : لو كان بيحبك صحيح كان قال لامه قبل ما يجيبها لغاية هنا وتكتشف الموضوع بالصدفة .
رفعت راسها لتساله بعتب قوي : وهي عرفت بالصدفة برضه يا بابي ، يا ريتها كانت صدفة ، لكن حضرتك قصدت تقولها وبالطريقة دي ، مفكرتش فيا ولا في مشاعري ، مفكرتش الموقف هيأذيني اد ايه ، كل اللي فكرت فيه انك تطلع حازم صغير ، رغم انه قالك قبلها انه هيقولها لما يلاقي وقت مناسب يبلغ فيه مامته حتى لو استنى لبعد الخطوبة .
ارتبك للحظات قبل ان يستدير اليها بجبروت : ده ولد غشاش ، كان عاوز يضحك على مامته وميقولهاش ليه الا اذا كان غشاش وكذاب كمان .
نهضت واقفة : حازم لا غشاش ولا كذاب ، ثم انت يهمك ايه مامته تكون عارفه ولا مش عارفه ؟ المهم هو عارف وفاهم هو بيعمل ايه .
اتسعت عيناه بحدة : يا سلام ويتجوزك وهو بيخدع مامته .
تهدج صوتها بالبكاء : ليه يا بابي ؟ هو انا ناقصة زي ماهي قالت عشان يبقى هو بيخدعها ، حالتي ملهاش علاقة بمامت حازم ، حالتي حازم هو الوحيد اللي من حقه يقرر بخصوصها هيقدر يتجوز واحدة زيي ولا لا ، لكن حضرتك عشان مقتنع بنفس نظرية والدة حازم واني اقل من كل البنات التانية ، لان حالتي مختلفة جدا زي ما قلت لها قدام الناس كلها- قلت لها وكنت عارف انها هترفض بالشكل المهين ده وتجرحني وتفركش الجوازة ، مش ده اللي انت كنت عاوزه يا بابا انك تفركش الجوازة .
شحب وجهه ليهز راسه نافيا : لا يا بنتي ، انا بس عاوز اللي يقدرك ويحميكي .
ابتسمت بألم : وهو في حد هيحبني ويحميني اكتر من حازم يا بابي ؟!
رفع راسه بكبرياء : يعني سامحتيه انه خبى على مامته ودلوقتي بتحاسبيني ؟!
تهدج صوتها لتتهدل كتفيها بتعب : انا مسامحتش حد ولا بحاسب حد ، انا عاوزة انام .
راقبها وهي تنصرف بخطوات بطيئة وجسد معتل ، لأول مرة يراها مهزومة بتلك الطريقة ، بذاك الحزن الذي عشش داخل حدقتيها فيطل عليه كلما نظرت اليه ، لم يكن يتوقع انها ستتعلق بذاك الحازم بتلك الطريقة ولكن ما يراه الان خالف كل توقعاته
زفر بقوة وهو يتذكر يوم مولدها ذاك اليوم العصيب الذي بُلغ فيه بوفاة زوجته الحبيبة ، بعد ان اهدته رفيف قلبه ، ذاك الاسم الرقيق الذي اختارته هي قبل ان تدخل الى غرفة العمليات ، فولادة طفلته المتعسرة جعلتهما يلجئا الى الولادة القيصرية كحل بديل ، ودعته وهي تتمسك بكفه قويا وتخبره بان يسمي الطفلة رفيف لتختفي خلف الباب الابيض الكبير ولا تخرج منه ابدا .
اخبروه بوفاتها وبان الطفلة وضعت في حضانة الاطفال لحالتها الصحية المتردية ، وبعد ان استفاق من مراسم دفن زوجته وتوديعها ، عاد الى المشفى بعد ثلاث ايام كاملة لم يكن رأى فيهم طفلته ، حينها لم يستطع تحديد مشاعره اتجاهها اهو يكرها لأنها سلبته حب حياته ام يعشقها لأنها كانت حلم حبيبته ؟!
الى ان وقعت عيناه عليها فيقع في غرام طفلته والتي اتت نسخة مصغرة من ملامح حبيبته ولكن بلون بشرته وشعره ، مزيج فريد جمعهما معا فأصبحت شاهدا ملموسا على قصة حبه لزوجته ، ومنها اقسم على تربية رفيف كما كانت تريد ، رسم احلاما كثيرة جميلة وهو يتطلع اليها من خلف زجاج وحدة حضانة الاطفال ،لكنها كلها تعكرت بذاك الخبر الذي القاه الطبيب في وجه ليدور في حلقة من الفزع بانه سياتي يوما فيه سيفقد ابنته !!
***
تكومت فوق فراشها تركن مقدمة راسها لركبتيها المضمومتان سويا بسبب ذراعيها الملفوفتان حولهما .
تهتز راسها بحركة رتيبة وهي تنظر الى الهاتف الذي يومض امامها للمرة العاشرة ،وهي تنوي عدم الرد ايضا تلك المرة ، يومض هاتفها فيخفق قلبها مع كل ومضة تلتمع فوق شاشة الهاتف وتُظهر صورته التي التقطها اليه في تلك الرحلة النيلية التي اقامتها الجريدة لموظفيها واصر هو عليها بان تأتي ، فإعجابها اللحظي به- منذ اول مقابلة لهما معا ، تحول الى اعجاب فعلي وخاصة وهو يدور حولها ، ينتهز الفرص ليتحدث اليها ، ويقتحم مكتبها يوميا بأسباب مفتعلة تثير ابتسامتها وخجلها لاكتشافها مدى هشاشتها ، ليطلب منها ذات يوم ان ترافقهم في العشاء الجماعي الذي اعدته الجريدة لكل العاملين بها ، وانه هو بنفسه من قام بإعداد الرحلة وترتيبها ، ورغم ترددها وافقت فشعورها به فاق حدود تعقلها ، يومها كان بداية قصة جمعتهما سويا فخطّا احرفها بتخبط وروية ، واحاديث كثيرة تقال بأعين شجية ، ينبض خافقها بتخبط ويهتف فيها عقلها بتعقل ، فتستجمع شجاعتها وتهم بإخباره ولكنها تتقهقر حينما تنظر الى مروج عينيه فتتراجع خوفا من ان يتركها ليصيح عقلها فيها بانها ابدا لم تكن مخادعة ، فلتخبريه بحالتك ولكنه فاجئها بانه يعرف .
حينها نظرت اليه بذهول وقالت بإنكار لم تفلح في رسمه جيدا : تعرف ايه وحالة اية اللي بتكلم عليها ؟!
خفض بصره عنها حتى لا يزيد من احراجها : انا عارف انتي بتبعدي عن الكل ليه ومش بتختلطي بالناس ليه ، عارف سبب اعتكافك عن الناس كلها وسبب السدود الكتيرة اللي حطاها حواليكي دي .بس احب اقولك يا رفيف اني غير الناس دي كلها ، انا هفضل وراكي لغاية ما اهد كل السدود والحيطان وافتح كل الاقفال لاني مش مقتنع بان اللي فيكي يخليكي تهربي كده ،
كتمت تنفسها وقالت بصوت مخنوق : انا مش بهرب .
ابتسم بسخرية : والله ؟!
اهتزت راسها بحركة لا معنى لها ليهمس بخفوت : كل اللي بطلبه منك انك متهربيش مني ، ومتقفليش ابوابك قصادي ، سيبيني ادخُلك وصدقيني مش هتندمي .
انهمرت دموعها دون سابق انذار وهي تعلم انه كان صادقا ، فهي لم تندم ابدا على معرفتها به ولكن الاقدار اقوى من الجميع !!
***
زفر بقوة وهو يغلق حاسوبه المحمول بعد ان انهى بعضا من عمله ليرفع راسه وينظر في اتجاه مكتبها ، لم تأت الى العمل اليوم ايضا ، انه اليوم الرابع على التوالي منذ اخر مرة قابلته بها في الخارج لم يسمع عنها شيئا ، ينهشه قلبه قلقا ولكن ما باليد حيلة ، غاضب هو منها ولن يهاتفها مهما حدث !!
سخر من نفسه وعقله يهتف : وهي يعني بترد عليك اوي يا اخويا !!
انتبه على جلبه طفيفة في الخارج لينهض واقفا ويرى ماذا يحدث، حبس انفاسه وهو يلتقط بعضا من همسات زملائه تدور فيما بينهم وهي تنصرف بخطوات سريعة الى خارج الجريدة ،
سال نفسه " جات امتى دي ؟! وبتجري ليه كده ؟! "
ليأتيه الجواب سريعا على لسان احدى الصحفيات وهي تتحدث بتندر مع زميلة اخرى لها : تخيلي المجنونة دي بتقدم استقالتها وبتهرب ، كل ده ليه ! عشان جوازه باظت ؟!
فترد الاخرى : بلا نيلة جواز ايه وزفت ايه خدنا ايه من الجواز و عمايله الا سدة النفس !!
لم يهتم للحديث الدائر بينهما وانه توقف حينما لمحتاه فسالهما بجدية : مين اللي قدمت استقالتها ؟!
ارتبكتا الاثنتين لترد الاخيرة : الانسة رفيف ومشيت خلاص .
تحرك بخطوات سريعة خلفها في حين عادتا الاثنتين الى حوارهما الخاص واحدهما تلوي شفتيها وتهمس للأخرى : بنت فقر صحيح في حد يسيب المز ده ويفركش الجوازه .
ردت الاخرى : على رايك تيجي تشوف الخلقة اللي بصطبح بيها كل يوم وهي تحمد ربنا وتبوس ايديها وش وظهر !!
لم يهتم لبقايا حديث خافت محتواه يتضمن قصته معها بل اسرع خطواته وهو يحث نفسه بانه سيلحق بها .
***
ارتجف جسدها بقوة وهي تجلس امام مقود سيارتها ، لا تستطيع القيادة تشعر باضطراب شديد في جسدها وخاصة مع تعرقها الكامل وارتخاء اعصابها ، حاولت البحث عن محرمات ورقية لتمسح بعض من العرق الذي غمر وجهها فاصبح يشوش رؤيتها لتكتشف ان ما يشوش رؤيتها هي دموعها المنهمرة بغزارة وهي تشعر بان قلبها يتمزق الى اشلاء صغيرة ، بل شعرت بان احدهم يقطعه الى فتات صغيرة لينثره من حولها .
خبطت بقبضتها صدرها فوق موضع قلبها مباشرة لعلها تشعر ببعض من الراحة التي تنشدها ، لعل هذا الالم يتوقف .. يتبدد .. ويختفي .
رمشت بعينيها ، تشعر براسها ثقيل وهذت بكلمات غير مفهومة لها لتنتبه من بين هذيانها الى طرق قوي على زجاج سيارتها رفعت عينيها ونظرت الى ملامح وجهه الوسيمة تنير عقلها لتهمس باسمه وهي تراقب ملامحه التي اخذت تشحب امامها رويدا رويدا الى ان اختفت وبقت هي في ظلامها الدامس .
***
__ عملت ايه في بنتي ؟!
صرخ فيه والدها وهو يمسكه من تلابيب قميصه ، فنظر اليه من بين رموشه ليساله بحدة تماثل حدته : المفروض انا اللي اسالك السؤال ده يا عمي ؟! عملت ايه في رفيف عشان توصل لكده ؟!
اتسعت عينا والدها بغضب : وانت مين انت عشان تسالني ؟! وانت اصلا هنا بصفتك اية ؟! يالا اتفضل امشي من هنا مش عاوزين نشوفك تاني !!
هم بالرد عليه ليقاطعه صوت الدكتور الذي صدح من جانبهما : الاستاذ حازم هو اللي جاب الانسة رفيف المستشفى ، كانت في حالة وحشة اوي ولو مكنش جابها في الوقت ده كانت هتتعب اكتر من كده ، رغم ان سبب تعبها مش حالتها اطلاقا !!
التفتا اليه الاثنين بتعجب ليشير اليهما : اتفضلوا معايا وانا اشرحلكوا .
__ نتفضل فين ؟! اشاح والدها بيده في حدة - الاستاذ ده ميقربش لرفيف حاجة ده مجرد عابر سبيل ربنا حطه في طريقنا والمفروض دلوقتي يشوف طريقه لوحده .
التفت اليه حازم بغضب التمع بعينيه ليقول الطبيب بجدية : بس هو قالنا انه خطيب رفيف وهي كمان اكدت على كلامه .
هتف والدها بصدمة : ايه ؟! رفيف عملت ايه ؟!
ابتسم حازم بامتنان وهو يراقب الطبيب الذي ابتسم بمكر :اه وهي بتفوق كده بقولها " مبروك على الخطوبة "، ردت وقالت "الله يبارك فيك" فقلت هو فعلا خطيبها ومش بيكذب .
__وانا بقولك انه ميقربلهاش واكيد بنتي مش هتتخطب من ورايا.
زفر الطبيب بقوة : خلاص حقك عليا ، اتفضل معايا حضرتك وهو بلاش ميجيش .
اطبق والدها فكيه بقوة ليقول بجدية : لا يمشي خالص من المستشفى مش عاوزه هنا .
رفع الطبيب حاجبيه باندهاش ليقول بضحكة : والله يا حاج هي مش مستشفة ابويا بس حضرتك متضايق ليه ، هو كده كده هيمشي .
التفت الى حازم : متشكرين يا استاذ حازم على تعبك معانا .
اوما حازم براسه للطبيب وهو يتمتم برد مجامل ليرفع راسه وينظر الى والد رفيف الذي يبعث بنظراته الكارهة لوجوده فيقول الطبيب بعتب : اشكره يا حاج هو اللي انقذ بنتك .
__شكرا يا استاذ ، القاها باستخفاف ليهمس حازم بجدية : لا شكر على واجب يا عمي ، ولازم تعرف اني دايما في خدمة رفيف ، حتى لو مبقتش مراتي .
انبعث الغضب من عينين والدها ليشيح بيده هازئا قبل ان يهم بخطواته بجانب الطبيب الذي غمز لحازم بعينه في اشارة منه ان يذهب اليها .
كتم حازم ضحكته وهو يهرول بخطوات واسعة الى باب غرفتها فيطرق عليه طرقتين قبل ان يستأذن في الدخول اليها ، ابتسم بلباقة وهو يحيي خالتها براسه ، خالتها الذي هاتفها قبل ان يهاتف والدها ويخبره بانها تمكث هنا ، خالتها التي توافق على زواجه من رفيف بل وتدعمه بقوة ، ابتسم وهو ينظر اليها فشعر بقلبه يرجف وهو يلاحظ شحوب وجهها الذي لم يختفي بعد ، يخبره بمدى المها ، ووجع قلبها الذي دفعها هنا تستلقي بين الشراشف البيضاء
كح بلطف وهمس برقة وعيناه لا تحيد عنها : عاملة اية دلوقتي ؟!
رمشت بعينيها لينتثر لون وردي باهت على وجنتيها وهي تغلق عينيها بخجل وتهمس بصوت واهن : انا كويسة الحمد لله .
سحب نفسا عميقا وهو يحاول ان يتحكم في دقات قلبه الصاخبة : الحمد لله يا رب دايما .
ابتسمت خالتها بمكر لتساله : قولي يا حازم يا بني ، تشرب ايه بقى ؟!
ازاح عينيه بعيدا عنها عنوة : شكرا يا طنط مش عاوز اتعبك .
رتبت على كتفه : تعبك راحة يا حبيبي ، هجيبلك عصير من الكافيتريا واجيبلي شاي كمان لاحسن الصداع ماسك راسي من الصبح ، مش هتاخر متقلقيش يا رفيف .
همت بالمغادرة وهي تهتف به في مرح : خلي بالك منها عقبال ما اجي .
ابتسم بشقاوة وهو ينظر اليها : في عنيا يا طنط متقلقيش وخدي راحتك على الاخر.
اغلقت الباب الزجاجي من خلفها ليجلس هو بالكرسي القريب من فراشها همست بخجل : حازم لو بابي جه ولقاك هنا هتبقى مشكلة وانا مش عاوزة مشاكل تاني .
ابتسم بمكر وهو يقترب منها بجلسته : مفيش مشاكل ان شاء الله يا حبيبتي ، بس انتي قومي بالسلامة وفي كلام كتير ساعتها هنتممه .
ازاحت ببصرها بعيدا وهي تتنهد بقوة ليهتف بمرح وهو يعاتبها برقي : شفتي جزاء اللي مش بيوفي بوعده .
تدافعت الدماء الى وجهها وخفضت بصرها بعيدا : واخرتها اية يا حازم ؟!
غمز بعينه في شقاوة : اخرتها حلوة ان شاء الله .
ضحكت وهي تسبل اهدابها بحياء زين ملامحها : انت مكنتش كده ايه اللي حصلك ؟!
ضحك بمرح : وقعت في حب بنت جميلة اوي ورقيقة اوي شقلبت كياني ، قبليها كنت أتّم ايه مقولكيش .
ضحكت برقة تلك المرة : فعلا كانوا بيقولوا عليك كده .
عبس بغضب افتعله : هم مين دول ؟!
بللت شفتيها برقة ومضت لها عيناه لتهمس بجدية : البنات في الجورنال ، كانوا بيتكلموا دايما عن المدير الجديد وانه أتّم اوي ومستفز كمان .
رفع حاجبيه بتعجب : والله ، غريبة اوي ، تابع بمكر قصد به اثارة غيرتها - مع انهم كانوا بيعاكسوني دايما .
اندثرت الضحكة فوق شفتيها لتسال بجدية وعبوس طفيف يداعب حاجبيها : مين دول اللي بيعاكسوك ؟!
__ البنات ، القاها بلا مبالاة فتساله بحدة - وانت كنت بتعمل اية ؟!
__ كنت برخم عليهم طبعا . ضحك بقوة على وجهها الذي انقلبت ملامحه للذهول فتابع - ما هو لو كنت بديهم وش مكنتش بقيت أتّم ومستفز يا حبيبتي .
حركت راسها بدلال : يا سلام ، ما يمكن بتدي للي بيعجبوك وش والباقيين لا ؟!
__ ده اكيد ، بس اللي عاجبّني مطلعين عيني ومش راضيين يعبروني حتى بكملة حلوة .
خفضت نظراتها بعيدا لتهمس : انا تعبانة يا حازم .
كح بخفة ليستجمع نبرات صوته فيخرج قويا : انتي لا تعبانه ولا حاجة ، الدكتور طمني قبل ما باباكي يجي ، وقالي كل اللي عندك اثر نفسي من كتر الضغط اللي بتمارسيه على روحك ، انتي بتظلمي نفسك وبتظلميني معاكي وكمان بتظلمي اللي حواليكي .
__مقدرش اتجوز بدون رغبة بابي .
__ ومين قالك اني ارضى اتجوزك بدون رغبته ، يا حبيبتي لما احب اتمم جوازي منك ، لازم يبقى في العلن والنور ، لازم استلمك من باباكي وانتي في وسط اهلك ، واشيلك هيلا بيلا واروح بيكي عند اهلي ، لازم نخليهم يوفقوا يا رفيف مش نهرب ونقول هو ده الحل .
هزت راسها بتفهم فتابع سائلا : انتي فعلا قدمتي استقالتك ؟!
هزت راسها نافية : انا كنت ناوية اقدمها بس اونكل عماد موافقش وقالي اشتغلي من البيت .
نظر اليها ليؤمرها بجدية : ولا دي كمان ، لازم ترجعي الشغل عشان على الاقل اعرف اشوفك لغاية ما نلاقي لها حل .
اومات براسها ايجابا ليسالها : مش هتهربي مني تاني يا رفيف ، لازم احس انك معايا في كل خطوة اخطيها ، لازم اتاكد انك مش ضدي عشان مبقاش بفحت في البحر .
همست بانهزامية : انا بس مش لاقيالها حل ولا عارفه هنعمل اية.
__ متعمليش اي حاجة وسبيها على ربنا والباقي سيبيه عليا .
اومات براسها في طاعة ليسالها بهمس : انتي عاوزاني يا رفيف صح ؟! عاوزة تتجوزيني زي مانا عاوزك بالظبط ؟!
ارتبكت لتعض شفتها بخجل اعتلى ملامحها لتهمس بخفوت : ايه السؤال ده ؟!
ضحك بخفة : سؤال عادي على فكرة ، اعتبريني بتقدملك زي الاجانب .
ضحكت لتومئ براسها في خفر لينهض واقفا : طيب هامشي بقى قبل ما باباكي يجي ويتخانق معايا تاني .
سالت بقلق : هو اتخانق اولاني ؟!
__ باباكي هيتخانق معايا كل ما يشوفني يا رفيف وانا هستحمله ، بصراحة لو عندي بنت حلوة زيك مسبهاش الا على جثتي !!
__بعد الشر عليك . هتفت بها في عتب لتتألق عينيه وهو يهمس قبل ان يودعها : ربنا ما يحرمني منك ويقرب لنا البعيد .
راقبته يغادر لتمتم هامسة : اللهم امين .
***
انصرف بخطوات متمهلة وهو يبتسم برضا ، والامل يداعبه من جديد ، اليوم يذكره بيوم بعيد كان يأس من البحث خلفها ليعلم بالصدفة البحتة عن حالتها ، يوما كان يصحب والدته للطبيب في مركز طبي تخصصي شهير ، ليجدها خارجة من غرفة الطبيب وهي تسير بتمهل ولكن ابتسامتها كانت كفيلة لإسعاد الناس جميعا ، يومها لم يستطع التحكم في فضوله الذي اشتعل فذهب ليسال عنها بشكل عرضي ولكن الممرضة كانت ثرثارة بطبيعتها واخبرته عن كل ما اراده واكثر ، يومها صمم انه يتقرب منها ، يهدم حصونها ليفز بها ، فمن مثلها لا تترك ابدا !!
واليوم يتجدد امله ، وخاصة بعد الحوار الذي دار بينه وبين طبيبها المعالج ،فهو اتى بها الى المشفى الذي يعمل بها الطبيب المتابع لحالتها ، دون ان يسال احدهم فهو بات يعلم عنها ادق تفاصيلها ، هذا الطبيب الذي استبشر به حازم خيرا ، والذي سأله عن هويته بعدما اسعف رفيف واطمئن عليها ، فوجد نفسه يخبره بكل شيء ، ويساله عن كل شيء ، ليبتسم الطبيب قبل ان يتحدث بمهنية : استاذ حازم اقدر اقولك بكل ثقة ان الانسة رفيف مافيش اي حاجة تمنعها لا من الجواز ولا من الخلفة ،ولا من ممارسة اي حاجة طبيعية تعوزها ، هو بس والدها بيخاف عليها شوية زيادة وده حال كل الابهات .
رد حينها : انا عارف حالة رفيف كويس بس اللي قاله ..
قاطعه الطبيب : انا عارف اللي قاله لأنه ياما ردده وانا اصلح له معلوماته بس الظاهر انه مش عاوز يقتنع ، المهم دلوقتي ان حالة رفيف النفسية هتأثر على حالتها المرضية وممكن تسوء ، رغم ان الطبيعي انها متسؤش بتاتا ، فهي حالتها مستقرة من وهي صغيرة.
تنهد حازم بقوة : طيب الحل اية ؟!
__انا هاساعدك باذن الله .
__ بجد . هتفها حازم بعدم تصديق ليضحك الطبيب برزانه : بصراحة انا بعتبر رفيف زي بنتي ومتابع حالتها من ساعة ما كنت دكتور صغير وهي كمان كانت بيبي ، ودلوقتي انا استشاري وهي عروسة ، وحرام اللي بيعمله والدها فيها ده ، لو كانت بنتي ولاقيت شاب زيك متمسك بيها كده مكنتش طفشته ابدا زي ما هو بيعمل ، لكن انا هاساعدك بشرط .
هتف حازم بلهفه : اؤمر يا دكتور .
ربت الطبيب على كتفه بابوية : اوعى تزعلها ولا تغضبها في يوم من الايام .. رفيف رقيقة جدا ومش هتتحمل .
زفر بقوة وهو يردد نفس الجملة التي كانت اجابته على طبيبها : بس هي تبقى معايا وانا هاشيلها جوا حبابي عنيا .
سحب نفسا عميقا وهو يحدث نفسه : فاضل ماما ربنا يهديكي يا امي وتوافقي .
***
دلف الى غرفة ابنته بلهفة يريد الاطمئنان عليها ليلوي شفتيه بنزق : هو انتي هنا ؟!
تمتمت بالاستغفار وقالت : اه يا ابو رفيف ، ايه كنت عاوزني مجيش اطمن على بنتي .
__رفيف مش بنتك
اجابته بتحدي : بنت اختي تبقى بنتي وخصوصا في غياب اختي .
سال بنزق : هي فين ؟!
__ دخلت التواليت .
__طيب شكرا يا ستي تعبناكي معانا ، اتفضلي روحي لبيتك وعيالك .
__ انا مش هسيب رفيف لوحدها وخصوصا وهي في الحالة دي.
تأفف بضيق وسال بحدة وعجرفة : انتي عاوزة ايه بالظبط ؟!
تمتمت بالاستغفار ثانية : عاوزاك تستهدى بالله يا ابو رفيف وتفكر في سعادة رفيف ، البنت هتروح منك بسبب عندك وجبروتك ، ماله حازم ، قُليل حازم ، ده راجل ملو هدومه والف عيله تتمناه لبنتها .
اشاح بيده في عدم اعتناء : ياخدوه .
__ وبنتك يا حاج ؟! مش مهم عندك هي عاوزة ايه ، مش مهم بالنسبة لك هي بتحب الولد ومن غيره هتتعب اد اية .
اتسعت عيناه بغضب اهوج : بنتي حياتها مش متوقفة على حد ومش ده اللي بنتي تتعب بسببه .
اقتربت منه لتحدثه بمهادنه : كفاية كده يا ابو رفيف ، زمان لما رفضت تعملها العملية اللي تخليها تعيش حياتها طبيعي زي بقية البنات ، بابا الله يرحمه وافقك لأنه قدر حجم خوفك على البنت وقدر انك اتعقدت من العمليات وسيرتها ، ظلمت البنت وسبتها تعيش حياتها كلها حاسة انها اقلل من الكل عشان انت دايما كنت تحسسها انها تعبانة ومريضة ، ولما كبرت شوية رغم ان الدكتور طمنك عليها وان حالتها اتحسنت وانها تقدر تعيش حياتها عادي ، اتمسكت انت بفكرتك وقررت انك تفضل حابسها في صومعة افكارك ، البنت دلوقتي هتروح منك وهتبقى انت السبب ، فكر شوية وهتلاقي ان جوازها من حازم كويس عشانها وعشانك ، يعني منفسكش تجيب حتة عيل تفرح قلبك بيه .
ارتعد جسده بقوة : عيل .. عيل ايه اللي رفيف تجيبه ؟! تجيب عيل عشان تروح هي ؟! انا عاوز بنتي وبس مش عاوز اي حاجة تانية غيرها .
استغفرت ربها للمرة التي لا تعرف عددها : استغفر ربنا يا حاج واعرف ان كله مقدر ومكتوب وساعة الاجل محدش بيقدر ياخرها ، بنتك دلوقتي معاك لو ربنا اراد يسترد امانته لا انت ولا عشرة زيك يقدروا يوقفوا مشيئته .
جحظت عيناه برعب وصرخ فيها :انتي بتفاولي على بنتي انتي اتجننتي
صاحت في وجهه بدورها : انا بفهمك بس وانا مش مجنونة .. المجنون هو اللي فاهم انه يقدر يمنع مشيئة ربنا ، يكون في علمك لو بنتي تعبت تاني هاخدها عندي واجوزها للي قلبها اختاره ، ومش هيكون من وراك لا بعلمك بس مش بمشورتك انا هجمع العيلة كلها يشوفوا لهم حل معاك .
اشاح بيده في جنون خالص وهو يصرخ بغضب : عيلة اية ، محدش هيجي ناحية بنتي ولا يقدر يقربلها انتي فهماني كبرت وعجزت هتاخدي بنتي مني ، يكون في علمك انتي بنتي مش هطوليها طول ما انا عايش وزي ما وقفت لك زمان ، هقف لك دلوقتي والبادي اظلم بقى .
همت بالرد عليه وهي تقف امامه بكبرياء وتحدي تلبسها الا انها صمتت وهي تنظر الى رفيف التي وقفت في باب دورة المياه تراقبهما بعينيه مليئتين بالدموع وانفاس لاهثه ، حاولت ان تهمس باي شيء ولكنها وقعت ارضا وهي ترحب بالظلام الذي اتى ليبتلعها مرة اخرى !!
***
زفرت بضيق وهي تشكو لابنتها في الهاتف : شايفة عمايل اخوكي ، مبيكلمنيش خالص .
تأففت : لا بيرد عليا طبعا بس مش بيجي يقعد معايا زي زمان ، يهرج ويضحك ، متكتف في اوضته على طول .
زمت شفتيها بغضب : يعني ايه عاوزاه يعمل اية ؟! عاوزة يبقى كويس .
تأففت تلك المرة بغضب اقوى : انا غلطانه اني بكلمك امشي روحي لعيالك وجوزك وانا هاقوم اشوفه من ساعة ما جه من بره وهو حابس نفسه في اوضته حتى مأكلش .
اغلقت الهاتف لتنهض واقفة وتتجه بخطوات عازمة الى غرفته طرقت الباب بطرقة واحدة لتفتح الباب دون ان تنتظر ردا منه ،عبست وهي ترى الغرفة الغارقة في ظلام تام الا من ذاك المصباح الصغير الموضوع فوق راسه ،
زفرت بقوة وسالته بهدوء : انت نايم يا حازم ؟!
نهض جالسا فوق فراشه : لا مش نايم يا ماما اتفضلي .
تنهدت بقوة وهي تدلف الى غرفة ابنها الوحيد ، ذاك الابن الذى اتى بعد ثلاث فتيات ، حلم عمرها وسندها الاوحد في حياتها ، جلست بجانبه لتربت على ركبته : انت كويس يا حبيبي .
ابتسم ساخرا : اه يا ماما كويس زي ما انتي عاوزاني ابقى كويس.
ازدردت لعابها وهمست بصوت خافت : انت ليه يا ابني مش عاوز تفهمني ؟!
__صدقيني يا ماما انا فاهمك كويس ، فاهم اسبابك ودوافعك ، بس انتي اللي مش فهماني ومش حاسة بيا كمان
ضربت صدرها براحتها لتصيح بذهول : انا يا حازم مش حاسة بيك .انتفضت واقفة - بعد كل العمر ده تقولي اني مش حاسة بيك ولا فهماك ، عشان ايه ، عشان رفضت جوازك من البنت دي .
رفع راسه ينظر اليها بصمت وحدقتيه تلمعان بعتاب قوي اجفلها لتهمس برجاء : يا بني انت مش عارف انا مستنية انك تجوز ازاي، منتش عارف انا نفسي افرح بيك اد ايه .
رفع حاجبيه ذهولا وقال : هو انا اتاخرت ؟! انتي اللي مش موافقة على جوازي .
صاحت بحدة : لا انا مش موافقة على اختيارك ، تقدر تقولي هتعيش معاها ازاي وهي تعبانة كده ، هي رفيف دي تقدر تجيب لك حتة عيل ولو جابت واحد هتقدر تجيب التاني ، انا عاوزاك تجوز واحدة سليمة ..عفية .. صحتها كويسة تقدر تخلف وتملى لك البيت عيال .
ابتسم بسخرية وقال هازئا : طيب ما نروح لمزرعة مواشي ونقيها حلوة وعُشّر احسن يا ماما .
احتقن وجهها بقوة : أتأدب يا ولد واحفظ مقامك وانت بتتكلم معايا.
__ مقام ايه يا ماما انتي سبتي فيها مقام ، بتكلمي عن مراتي وكأنها جاموسة كل مهمتها في حياتي انها تحمل وتولد وتملا الزريبة .. اقصد البيت عيال .
ارتبكت لتقول : لا طبعا مش كده ؟!
نهض واقفا ليطل عليها من علياؤه : اومال ايه يا ماما ، قوليلي ازاي وانا انفذ ،
تنهدت بقوة : انا عاوزاك تنقي صح يا حازم ، مش بقلبك بس وبعقلك كمان .
صمت قليلا وهو ينظر اليها مليا : تفتكري يا ماما اني عيل صغير بجري ورا عواطفي بس وعشان كده اخترت رفيف ، تفتكري ان رفيف بالنسبة لي واحدة حلوة انا هموت على حلاوتها فعاوز اتجوزها وخلاص ، ابتسم بمكر واتبع بشرود - اه منكرش انها حلوة اوي وانا هموت عليها بس اكيد مش عاوز اتجوزها عشان كده وبس .
اتسعت عينا والدته بغضب لتلكزه في خصره بقبضتها : احترم نفسك يا ولد .
ضحك بمرح : يا ماما يا حبيبتي ، انا عمري ما كنت لعبي ولا بتاع بنات ، طول عمري جد ودُغري ، لا صاحبت مرة ولا حبيت مرة وانتي شغاله زن على وداني اتجوز يا حازم .. اتجوز يا حازم ، فلما لقيت البنت اللي هتسعدني وقلت عاوزاها حضرتك مش موافقة وتقولي في الاخر افهمني وحس بيا !!
زمت شفتيها وقالت بعصبية : خلتك تخبي عليا وانت اللي عمرك ما خبيت حاجة .
زفر بقوة : يا ماما رفيف مكنتش تعرف اني مقولتلكيش ، طيب دي حتى اشترطت عليا قبل ما اروح لباباها اني هقول لاهلي وانا قلت لها حاضر ، وانا كنت هاقولك بس مستني الوقت المناسب .
رفعت حاجبيها بعدم تصديق : لا والله ، والوقت المناسب ده امتى ان شاء الله ؟!
رمش بعينيه : كنت عاوزك تشوفيها الاول لاني كنت متاكد انك هتحبيها وهتتغاضي عن كل حاجة تانية تخصها .
غمز بعينه في شقاوة : متنكريش انك حبتيها وعجبتك وكان ناقص تزغرطي اول ما قعدت جنبي لولا الموقف السخيف اللي باباها حطنا فيه كلنا
مطت شفتيها وتبرمت لتقول : برضه لا ، اختيارك المرة دي مش صح راجع نفسك يا حازم .
تحركت الى الخارج وهمت بمغادر غرفته ، ليهمس بجدية وصلتها جيدا : لو متجوزتش رفيف يا ماما مش هتجوز ،
اتسعت عيناها بذهول انقلب الى غضب وصاحت : بتهددني ؟!
رفع راسه بكبرياء ليتحدث بنبرة جادة وصوت هادئ : لا يا ماما ، انا بفهمك عشان متقوليليش اتجوز تاني ، لان انا مش هتجوز غير رفيف وانتي مش عاوزاني اتجوزها ، انا عمري ما هغضبك بس قلبي خلاص مبقاش ملكي وانا مش هتجوز واحدة مش بحبها وعاوزها .
***
تغمض عينيها وهي تدعي النوم حتى لا تستجيب الى توسلات خالتها في الخروج ، فمنذ غياب والدها وخروجها من المشفى وهي تمكث هنا ببيت خالتها ، خالتها التي تتعامل معها بطبيعية شديدة وتنسى انها لا تستطيع التعامل بطبيعية مع نفسها !!
فهي امنت بانها مختلفة عن البقية ، امنت بانها ضعيفة .. هشة .. ومريضة ، فوالدها لطالما اخبرها بذلك ، لطالما امرها بان تكف عن اللعب ، تتوقف عن الركض ، حرمها من تعلم السباحة ، وحتى لعب الاسكواش، رغم ان طبيبها اكد له اكثر من مائة مرة انها طبيعية وتستطيع ان فعل كل شيء لكنه ظل مقتنعا بانها مريضة .. معيوبة .. وناقصة !!
وهذ سببا رئيسا لما فعله يوم خطبتها على حازم لا تستطع نسيان فرحتها التي تهشمت على يديه ، فرحتها التي بدأت في البزوغ وهي تجلس الى جواره فتنير حياتها بخاتمه الذي كاد ان يلبسها اياه ولكن والدها كان له راي اخر ،فجلس مضجعا في كرسيه ليسال والدة حازم بهدوء وكانه يحدثها عن احوال الطقس : طبعا يا هانم حازم قالك على حالة رفيف
امتقع وجه والدته لتنظر الى ابنها الذي تلعثم ليقول بتوتر : حالة ايه يا عمي ، مش وقته الكلام ده .
اشاح والدها بيده : لا يا بني الجواز مش حاجة سهله ولازم مامتك تعرف ان رفيف تعبانه ومش حمل اي مجهود .
همست حينها بصوت باك : بابي ، التفتت تنظر الى المتواجدين من حولها ، فتتحاشى نظرات الشفقة التي طلت من الاعين ، وتهرب من نظرات الغضب التي طلت بعيني والدة حازم وهي تتهمها بانها قَلبت عليها ولدها ، لكنه هو لم يلتفت اليها بل تحدث بنبرة قاسية حملت بداخلها خنجر ذبحها به في بطء غير آبه الى نزيفها : رفيف يا هانم مريضة بالقلب ، اتولدت بعيب خلقي بيخليها مش زي بقية البنات
حينها هتف حازم بغضب : ارجوك يا عمي ، ده مش كلام نتكلم فيه قدام الناس .
صاح والدها : انت قلت لي انك هتقول لوالدتك .
نظر حازم له بغضب : ايوة طبعا كنت هقولها ، بس انا شايف اللي حضرتك بتقوله ده مش عيب ولا عطب زي ما انت مصدق ، رفيف زي بقية البنات ومش اقلل منهم ، وموضوع مرضها ده انا الوحيد اللي ليه راي فيه .
حينها قفزت والدته واقفة : يعني ايه مكنتش هتقولي ولا موافقتي من عدمها مش فارقين معاك يا حازم !
تنهد حازم بقوة : لا يا امي مقولتش كده كنت هقولك طبعا بس مش كده
وضعت والدته يديها في خصرها : اومال ازاي ؟!
نظر من حوله وهمس بحدة : ماما احنا في وسط الناس .
اشاحت والدته بيدها : ناس ؟! انت خليت فيها ناس ، ازاي متقوليش عن موضوع مهم كده ، وبعدين ازاي هتتجوز واحدة متقدرش تخلف لك حتة عيل ولا حتى هتقدر تستحملك .
صاح بغضب : ماما .
__بلا ماما بلا بابا ، انت مش سامع باباها بيقول ايه ؟
زفر بعنف : الكلام ده مش صحيح .
__ ليه هتعرف اكتر من ابوها ؟!
صاح بدفاع وهو ينظر اليها بحنو : ايوة ، رفيف مفيهاش حاجة ، رفيف زي الفل .
صرخت والدته وهي تهم بالانصراف : فيها ولا مفيهاش ، انا مش موافقة على الجوازة دي وانت حر يا ابن بطني ، يانا يا جوازك من ست رفيف هانم دي .
حينها دمعت عيناها وهي تنظر اليه تتوسله الانصراف ، ان يكف عن المشاجرة مع والدته لأجلها ، ان يتبعها ويغادر، ولكنه جلس في مكانه وكان لا شيء حدث ، وهو ينظر الى والدها بتحدي وغضب اعتلى ملامحه ، ليحتضن كفها ويهم بإدخال خاتمه في اصبعها مرة اخرى قبل ان يهتف والدها بحدة : انت بتعمل ايه عندك ؟!
زفر بقوة : بلبس رفيف دبلتي
__ ليه ان شاء الله انت فاهم اني هقبل بيك بعد ما مامتك هزئت بنتي ورفضت الجوازة على الملأ
شعرت به حينها وهو يضبط اعصابه ليرد بغضب : والله حضرتك السبب في اللي حصل .
سال ابيها بسخرية : انا ولا انت ؟! انت كذبت عليا يا استاذ ؟!
زفر بقوة : انا مكذبتش يا عمي ، انا قلت لك هقول لماما بس مقولتش قبل الخطوبة ، بس الظاهر ان حضرتك بتعمل كده قاصد تفكرش الجوازة .
اتسعت عينا والدها بغضب وهاج وماج وقام بطرده من البيت بعد ان نعته بانه غشاش وكاذب ، وانه لن يستطيع اسعادها .
لن تنسى نظرة حاتم المعتذرة .. المتألمة ، والتي ترجوها ان لا تبتعد عنه ، ولكنها رغما عنها ابتعدت عن الجميع ، فهي غضبت من والدها الذي عاملها كالغرباء بانها ناقصة ، يشعرها بان بها عيب ، رغم يقينه بانها كبقية فتيات سنها ، وحزينة بسبب نكران حازم لحقيقة مرضا وعدم اخبار امه بهذا الامر ، الغريب انها لم تغضب من والدة حازم ابدا بل شعرت انها تتفهم موقفها فأي ام تريد ان تنتقي لابنها فتاة كاملة وهي ليست كذلك !!
دمعت عيناها مرة اخرى لتكتم وجهها في وسادتها وهي تقرر ان الانطواء على نفسها هو الحل ، كالمرة الماضية تماما ، فهي ستعتكف بعيدا عن الجميع فوالدها نفسه تخلص منها وتركها الى خالتها التي تدللها بطريقة مبالغ فيها، فهي لم تنجب فتيات وكانت رفيف هي الابنة التي لم تنجبها ،انتبهت من افكارها على دخول خالتها الغرفة وهي تهتف : اسمعي بقى يا بنت اختى ، قومي كده وبطلي كسل النهاردة هنخرج يعني هنخرج ، بقى انا اتبسطت لما ابوكي قالي خليها عندك يومين وقلت هنقضيها خروجات وفسح وشوبينج ، تيجي انتي تكتئبي لي هنا وكل ما اقولك حاجة تقولي لا، بقالي اسبوع بلحلح فيكي تخرجي وانتي مش راضيه .
جلست فوق فراشها : مش عاوزة اخرج يا خالتو .
لتجلس خالتها بجانبها : لا لازم نخرج يا رفيف ، ولازم تبطلي انهزامية يا بنتي ، ابوكي ده ربنا هيحاسبه على عمايله فيكي ، وبعدين حرام عليكي الغلبان اللي هاريني اتصالات ده ، جوزي هيطلقني من تحت راسك وراسه ، ده بقى بيشك فيا بسبب سي حازم افندي الي بيتصل بيا كل ساعتين يطمن عليكي ، يرضيكي اتطلق والعيال يتشردوا من تحت راسك انتي وابوكي وحازم بيه .
ابتسمت رغما عنها : لا ميرضنيش ،
__ طيب يالا بينا بقى قومي كده فرفشي والبسي هدومك خلينا نخرج ، عارفة يا بنت لو ولادي فيهم حد بس قريب من سنك ، كنت جوزتهولك غضب عنه وعنك بس نعمل اية بقى كلهم مقاريد صغيرين .
ضحكت برقة : ولادك ايه يا خالتو اللي اكبرهم في ثانوية عامة ده ، دول انا مربياهم معاكي وبعتبرهم اخواتي الصغيرين .
لوت خالتها شفتيها : مانا عارفة اومال انا هسيبك لحازم كده ويبقى في حد فيهم الرمق !!
تخضبت وجنتيها لتربت خالتها على وجهها : سيبيها على الله يا رفيف .
همت خالتها بالمغادرة لتسال بصوت خافت : مفيش اخبار عن بابا ؟!
هزت خالتها راسها بالنفي : بكرة يظهر المهم انتي طمني الغلبان اللي هيتجنن عليكي ده .
اومات براسها وهي تفتح هاتفها من جديد لتستقبل كم كبير من رسائله رسمت البسمة فوق شفتيها وتجمعت الدموع بعينيها لتنتفض بوجل وهاتفها يرن بين كفيها ليومض بصورته التي اشتاقت اليها ، اجابته على الفور ليأتيها صوته حانقا : عارفة يا رفيف دي اخر مرة اسمحلك تعملي فيا كده ، ايه يا بنتي معندكيش اخوات صبيان ولا اية !
ضحكت بخفة ليتابع : الله اكبر ، لا ده احنا بقينا حلوين اهو وبنضحك قوليلي عاملة اية يا حبيبتي ؟!
اجابته والحياء يحتل نبراتها : كويسة الحمد لله ، بس قلقانه على بابا مش متعوده انه يختفي كده !!
تنفس بقوة : بكرة يظهر ، ده انا بدور عليه اكتر منك
عبست بعدم فهم : ليه ؟!
قال بمشاكسة : لما تكبري هاقولك .
__يا سلام .
ضحك بخفة : بقولك ايه عاوز اشوفك .
ردت سريعا : مش هينفع .
زفر بضيق : ليه بس ؟!
تمتمت بصوت واهن : بابا ..
لوى شفتيه بضيق ليسالها بجدية : خالتو عندك ؟!
رمشت بعينيها واجابته بالإيجاب ليهمس لها امرا ان تدعه يتحدث اليها ، خطت الى الخارج لتنادي خالتها التي اتت اليها مهرولة : فيه حاجة يا حبيبتي ؟!
ناولتها الهاتف : حازم عاوزك .
__ بركة يا حبيبتي انك فتحتي تليفونك عشان تطمنيه عليكي ، التقطت منها الهاتف لتهتف بمرح - اهلا بجوز بنتي .
تنهد بقوة : يسمع من بؤك ربنا يا خالتو ،ادعيلنا بالله عليكي .
هتفت خالتها بمرح : والله يا بني دعيالكم دايما .
__طيب حيث كده ، انا عاوز اشوف رفيف وهي طبعا مش موافقة عشان عمي وكده .
لوت شفتيها بخيبة امل لتنظر الى رفيف بعتاب قوي : طيب بص احنا نازلين بعد شوية وجوزي حبيبي مش فاضي يوصلنا ، ايه رايك تيجي تودينا ، انا كنت واعده رفيف اني ادخلها السينما .
اتسعت ابتسامته : مسافة السكة يا خالتو .
__ توصل بالسلامة يا حبيبي .
اغلقت الهاتف لتتبرم هي : ليه كده يا خالتو ؟ بابا ....
قاطعتها خالتها بضيق : بقولك ايه يا بنت انتي ، الراجل هيطفش من عمايلك وعمايل ابوكي ، ثم طول منتي هنا وانتي مسئولة مني ويبقى ابوكي ينطق وانا كفيلة بيه ، ثم انتم في حكم المخطوبين ، بطلي بقى جننتيني وجننتي حازم معاكي .
ولكنها لم تقابله يومها ولا في اي يوم تلى هذا اليوم فعودة ابيها اخلت كل الموازين !!
***
يجلس بوسط اريكة الصالون الخاص ببيتها ، ينظر من حوله فيبتسم لشقيقاته بتوتر ، ويحث والدته بعينيه ان تبتسم برضا من اجله ، تتسع ابتسامته لخالتها التي تضحك له بمرح وتطمئنه بنظراتها ويتحاشى النظر الى والدها الغير مرحب به على الاطلاق، تمتم لنفسه " مش مهم ، المهم انه وافق على الكتب الكتاب مبدئيا، وبعد كده ربنا يسهلها "
انتبه على صوت والدته : هي عروستنا فين ؟!
ردت خالتها سريعا حتى لا تمهل لوالدها فرصة الرد : جاية حالا ، بس انت عارفة بقى شغل العرايس منتي مجوزة تلاتة قبل كده .
جمد وجه والدته ليكتم ضحكته هو بقوة ويحك انفه وخالة رفيف تتبع : ربنا يتمم لحازم بالخير وتشيلي ولاده .
لوت والدته شفتيها بنزق ليهتف هو بمرح : ان شاء الله يا خالتو .
رمقته والدته بغضب فكتم ضحكته وهو يتذكر انها نفس النظرة الغاضبة التي تلألأت في عيني والدته في اخر اجتماع اسبوعي للعائلة وشقيقاته الثلاث مجتمعات ، بعد انتهاء الغذاء حاول اعتزالهم كما يفعل مؤخرا، لتنهره اكبرهم وتجبره على المكوث معهم، حينها ظنت والدته انها فرصة سانحة لتستخدم اخوته ضده فتشكوه اليهن ، ولكن يا للعجب لقد اتخذوا صفه و تحدثن معها بعقل ومنطق ليقنعوها بزواجه من رفيف ،وحينما رفضت وهي تردد نفس سببها الواهي عن الانجاب والاطفال هتفت الوسطى بضيق : ماما انا سالت جوزي بنفسي وخصوصا بعد ما عرفت من حازم ايه اللي عند رفيف بالظبط وانتي عارفه انه دكتور شاطر وانتي نفسك بتشهدي بكفائته ، وقالي ان حالتها طبيعية جدا ومفيش مشكلة في انها تحمل وتولد ولا حتى عشرين عيل ،
غمزت له اخته التي تكبره بعام واحد فقط لتهتف بمشاكسة : سيبك انتي ماما مش فارقة معها الاسباب دي كلها ، ماما مش موافقة عشان غيرانه ان حازم بيحب رفيف وعاوزها .
حينها ضحك بقوة وهو ينظر الى ملامح والدته المكفهره وهي تصيح في شقيقته بغضب : غيرانه دي ايه ، انا هغير من المعصعصة دي ، انا اصلا مش عارفة هو عجبه فيها اية ؟!!
نظر لها من بين رموشه : رفيف مش معصعصة يا ماما من فضلك متقوليش عنها كده .
صاحت والدته بضيق : شوفوا بيحامي لها ازاي وهي لسه مبقتش مراته ، هيعمل فيا ايه لما يتجوزوا بجد ؟!
ضحك بخفة وهو يقترب منها يقبل كتفها وكفها : هعمل كل خير يا امي ، بس انتي وافقي ، يرضيكي قلب حازم يتكسر بسببك .
لن ينسى ما حيا تعبيرات والدته الحزينة ونظراتها الزائغة وهي تردد : يتكسر بسببي ، ما عاش ولا كان اللي يكسرك ولا يكسر قلبك يا بني ، انا والله عاوزة مصلحتك .
قبل كفها مرة اخرى وهو يكتنف كتفيها بذراعه الاخرى ليضمها الى صدره : ولو قلت لك ان مصلحتي مع رفيف ، هتوافقي ؟!
ترقرقت الدموع بعينيها : انا عمري ما ارفضلك طلب يا حازم ، ولا اقدر اكسرك يا بني ، انت سندي اللي طلعت بيه من الدنيا .
قبل راسها : ربنا ما يحرمني منك ابدا يا ماما ، وليكي عليا بكره املالك البيت ده عيال .
ربتت على خده بحنو : انا اللي يهمني سعادتك يا حبيبي .
وعليه عاد مرة اخرى وتقدم الى والد رفيف الذي نظر اليه بصمت مطبق وسأله بهدوء شديد : هتحافظ عليها وتشيلها في عينيك ؟!
شعر برهبة من صوت الرجل الرخيم ونظرته الزائغة ليومئ بالإيجاب ويقسم له بإغلاظ الايمان انه سيفعل .
حينها أومأ له والدها واخبره ان يأت بعائلته اخر الاسبوع القادم ليساله هو ان يكون عقد قرانه على رفيف وليس خطبة فقط ، اشار له بيده في عدم اهتمام لينصرف حينها وهو مشغول البال فيما حدث لذاك الرجل ؟!
***
تنظر الى نفسها في المرآة وهي تشعر بخجل عارم يعتريها ، لم تحلم يوما انها ستكون عروسا لفارس احلام سيحارب طواحين الهواء من اجلها ، ولكن حازم حقق لها ابسط احلامها ان تسعد كبقية الفتيات تحب .. وتتزوج ، وتحلم بليلة زفاف ستكون هي بها ملكة متوجة ترتدي بها فستان زفاف منفوش وتسير بخيلاء وسط المدعوين .
احتقن وجهها بقوة وهي تتذكر فرحته وهو يهاتفها ليهتف بأذنها ان ابيها واقف على عقد القران ، ليهدئ بعدها ويسالها عم حدث لوالدها فهو قلق عليه ،حينها اخبرته انها لا تعلم ولكنها ترجع تبدله معها الى عدم تحمله لانهيارها الثاني وخاصة ان الطبيب اخبره بانه سبباً في انهياراتها المتكررة ، و ان حالتها النفسية السيئة ستؤثر عليها بقوة ، لم ترى والدها يبكي على الاطلاق الا تلك الليلة ، لقد استيقظت من نومها على صوت بكاءه الحاد وهو يسجد الى الله متضرعا ، يدعوه ان يحفظ له ابنته وان لا يأخذها منه ، ليلتها تصنعت انها عادت للنوم مرة اخرى حتى لا تحرج والدها لتغفو بعد قليل ، وتستيقظ صباحا على ملامح والدها الرائقة وابتسامته الحانية ، يلاعب خصلات شعرها ويمنحها تحية الصباح، وبعد ان اطعمها فطورها بيديه سألها بهدوء : انتي بتحبيه يا رفيف ؟!
احتقن وجهها بقوة لتخفض راسها بخجل وصمتت رغم عنها فلم تستطع الاجابة وحيائها يمنعها ، ربت على راسها بحنو وانصرف، تركها في عهدة خالتها لبضعة ايام ، بعد ان غادرت المشفى واختفى هو وحتى عندما عادا الى البيت ، التزم الصمت ولم يحدثها في الامر ثانية !!
الى ان اخبرها حازم بموعد عقد القران الذي تولته خالتها وبقية اقاربها ، وكان ابيها شاهدا على الترتيبات دون ان يشارك بها ، لم تستطع ان تحتمل هجرانه اكثر من ذلك فسالته البارحة عم يغضبه ليبتسم بحنو ويتمنى لها السعادة كالغرباء ، أذهلها بروده معها وحزنت بسببه ، وهاتفت حازم تشكو اليه كالعادة ، ليهدئ من روعها ويخبرها بانه سيكون بخير عندما يراها سعيدة معه ، اطاعته واستعدت لليوم كما ارادت خالتها وهي الان تنتظر الشهود ليتم عقد قرانها على حازم الذي يطير فرحا وسعادة .
وضعت كفها على قلبها الراجف لتهدئ من روعها وهي تهتف لنفسها : اهدى كله هيبقى تمام ان شاء الله .
دلف اليها اباها بعد قليل لترى الدموع بعينيه فيقترب منها ويقبل راسها ويسالها : هتبقي مبسوطة صح ؟
حينها استجمعت نبراتها : ايوة يا بابي .
قبل راسها مرة اخرى : مبروك يا بنتي ، ربنا يسعدك ويحفظك وميحرمنيش منك ابدا .
لم تتمالك نفسها لتجهش في البكاء وهي ترتمي بصدره فتحتمي من العالم اجمع بداخله : ارجوك يا بابي متعملش كده ، لو مش موافق قولي وانا مش هتجوز ابدا ، عمري يا بابا ما هبقى مبسوطة وانت حزين بالشكل ده .
صوتها وبكائها وانهيارها في حضن والدها - الذي احتواها واخذ يهدئها وهو يخبرها بانه يريد فقط سعادتها - جلب بعضا من الجمع في الخارج ليكون اولهم حازم الذي اتى مهرولا، نظر بذهول الى ما يحدث امامه وهتف سائلا : فيه ايه ؟! ايه اللي حصل ؟! مالها رفيف يا عمي بتعيط ليه ؟!
تبرم اباها بحنق وهمس في اذنها بخفوت : اهو شفتي اللي انتي هتموتي عليه بيدّخل بيني وبينك من اولها .
ضحكت من بين دموعها فربت ابيها على ظهرها وضمها اليه اكثر ليهتف به : مفيش حاجة يا سيدي بنت وابوها بتدخل بينا ليه .
هز حازم راسه بلا امل ليبتسم من بين اسنانه : لا خالص يا عمي ملياش فيه ،المهم انكم كويسين .
__ زي الفل . القاها بضيق ليتبع - يالا اتفضل بره لغاية ما اخد موافقتها ع الجواز ، مش يمكن ترفضك ؟!
تنحنح حازم وهو يدعك جبهته بتذمر ليهتف بتحدي تملكه : لا في دي عارف ومتاكد انها مش هتعملها .
نظر اليه بغضب : لا والله ؟!
هتفت هي : خلاص يا حازم روح اقعد مع المعازيم ، وخلاص انت كمان يا بابي حازم بيهرج .
زفر حازم بضيق ليتجه خارجا في حين هو قبل راسها ثانيا : مش هتنسي ابوكي يا رفيف صح ؟!
ضمت نفسها اليه اكثر : حد ينسى نفسه يا بابي
ربت على ظهرها ليناولها بعض الاوراق وكتاب كبير لتمهرها بتوقيعها ، اوراق تثبت الان انها اصبحت زوجته .
***
بعد شهر واحد
تمسكت بساعد والدها وهي ترتجف ليربت والدها على كفها مطمئنا ويهمس لها بان تهدا انه مجرد زفاف .
ليتمتم عقلها : فرح بعد شهر من كتب الكتاب ماشي يا حازم والله لوريك .
حازم فارسها الهمام استغل مزاج ابيها الرائق وتجمع العائلتين في عقد القران ليقرر موعد زفافهما دون ان يناقشها فيه ، وللعجب ابيها وافقه ، فأبيها منذ عودته من المجهول وهو يتصرف بطريقة مخالفة لطبيعته بل هي شعرت بانه يريد تزويجها سريعا دون سببا جليا لذلك !!
ارتجفت اكثر وعقلها يبزغ بتفكير اخافها ، ليهمس في اذنها بمرح : لو عاوزة تهربي ، ههربك.
ضحكت بخفة وهي تخفض وجهها بخجل لتسحب نفسا عميقا وتتحدث بجدية : استنى يا بابا
نظر لها والدها بتعجب : متقوليش انك رجعتي في كلامك يا روفي
ابتسمت : لا طبعا يا بابا انا بس عاوزة اسالك ، انت لما اختفيت كده روحت فين ؟!
اندهش والدها ليبتسم ويجيب بهدوء : روحت زورت امك وبعدين رجعت البيت فكرت في كلام خالتك واكتشفت انها صح واني كنت ظالمك كل السنين اللي فاتت دي كلها ، بس والله غصب عني يا بنتي ، خوفي عليكي وحبي ليكي هو اللي خلاني اعمل كده ، انا طول عمري شايف انك بنتي اللي ربنا بعتهالي عشان يعوضني فقدان امك الله يرحمها ، هدية بدل اللي ربنا اخذها مني ، فكرة انك كمان تتاخدي مني كانت مجنناني ، بس عرفت ان العمر واحد والرب ، زعلت من نفسي اني عيشتك حزينة طول عمري فقررت اني اسعدك واعملك الحاجة الوحيد اللي بتتمنيها دلوقتي
نظرت اليه بتساؤل ، فابتسم وهو يحتضن وجهها بين كفيه : اني اعصر على نفسي لمونة و اجوزك الواد اللي تحت ده وامري لله .
ضحكت برقة ليربت على راسها : اوعديني انك تعيشي سعيدة يا روفي .
دمعت عيناها : ان شاء الله يا بابا اوعدك .
***
تذمرت والدته : ومراتك دي بقى هتقدر ترقص وتتنطط زي بقية العرايس .
لوى شفتيه بنزق : اه يا ماما ليه هي متشبهش بقية العرايس ؟!
تداركت لهجتها لتهمس : ياعني يا ابني انا بس ..
احتقنت وجنتيها بقوة ليكتم ابتسامته ويقول بجدية : متقلقيش يا ماما رفيف كويسة و الرقص والتنطيط مش خطر عليها واللي بعد الرقص والتنطيط كمان ،
ارتبكت والدته وهي تهرب بنظراتها منه ليهمس وهو يقبل راسها : متخافيش يا ام حازم هنبقى كويسين ان شاء الله ، بس انتي ادعيلنا .
رفعت يديها الى السماء لتدعو بحرارة : ربنا يكرمك يا بني ويسعدكوا سوا .
امن بلهفة قلب احترق شوقا : اللهم امين .
***
عضت شفتيها بخجل وهي تقف بجانبه امام باب منزلهما الجديد بمفرديهما بعد ان خدع الجميع ليسلك طريقا اخرا فيصل قبل بقية السيارات ، فتح الباب ليهمس : اتفضلي يا حبيبتي .
تبرمت بطفولية : بابا زمانه زعلان .
ضحك بخفة وهو يدفعها بلطف : انا قلت لعمي على الي هعمله وهو وافقني وقالي سيبك من العالم دي وخد عروستك وروح.
نظرت اليه بدهشة : فعلا بابا قالك كده .
اغلق الباب من ورائهما ليحكم قفل الباب : اه والله يعني انا هكذب يا رفيف .
__ لا مقصدتش بس ، احمرت وجنتيها - متوقعتش ان بابا يوافقك على كده .
رمقها بنظرة مشاكسة : اللي هو ايه كده ده ؟!
احتقنت وجنتيها بقوة : يعني ، فركت كفيها بتوتر لاحظه ليسبل اهدابه وهي تتذمر من جديد : مامتك دلوقتي تزعل مني .
حك طرف انفه وهو يكتم ضحكته بقوة : ليه ؟!
مطت شفتيها واثرت الصمت فهي توغل في مياه راكده فتحركها بتهور ، ليقترب هو منها بخفة ويحتضن يديها بكفيه ويهمس بصوت اجش : ماما عمرها ما هتزعل منك ،
هزت راسها بتفهم فرفع كفيها اليه وقبلهما برقة : مبروك يا حبيبتي ، مبروك عليا دخولك حياتي .
ارتجف جسدها بتوتر فتابع هامسا : متخافيش يا رفيف طول منتي معايا متخافيش .
رفعت نظرها اليه فاحتويها بمروج عينيه ، يبعث لها بدفء خدر خوفها ودفع بتوترها بعيدا ليضمها الى صدره بحنو ويهمس : عارفة يا رفيف اول مرة شفتك فيها حسيت انك قدري .
رمشت بتعجب ليتابع هو بهمس اجش :معرفش لغاية دلوقتي ايه اللي شدني ليكي بس كل مرة كانت عنيا بتقع عليكي كان بيجيلي هاتف يقولي اوعى تسيبها هي دي نصك التاني ، فتاتك .. قدرك اوعى تفلته من ايدك .
ابعدها قليلا لينظر الى عينيها : قعدت افكر في دخلة ليكي ملقتش سالت عنك كتير وكتير لغاية ما اخترعت موضوع الورق ده وكلمتك ورغم اني اتنرفزت اوي يومها من موضوع الواسطة ده الا ان رجع الهاتف يقولي لا في سبب تاني مخليها تبعد عن الكل ، ويوم ما عرفت من الممرضة انتي فيكي ايه صممت اكتر انك هتبقي بتاعتي .. مراتي ، هتبقي فتاة قدري اللي ربنا حطها في طريقي عشان احبها وتحبني واعوضها ولو شوية عن اللي شفته طول عمرها .
دمعت عيناها لتهمس بخفوت : انا بحبك اوي يا حازم .
تهلهل وجه فرحا : يا دين النبي ، ايوة كده بينها ليلة عنب باذن الله.
ضحكت وهي تقفز مبتعدة عنه لتشير اليه بسباتها : اتادب يا حازم واعرف اني منستش اخر مرة .
رقص حاجبيه بمرح : اخر مرة اية ، الليلة دي حاجة تانية خالص.
عبست بجدية افتعلتها : حازم ..
ليقترب منها ويحملها بين ذراعيه دون مجهود يذكر : روح قلب حازم .
هتفت بقلق : هقع يا حازم نزلني .
ليضمها الى صدره اكثر وهو يتجه الى الداخل : اوعي تقوليها تاني ازعلك منك يا روفي .
تمسكت بكتفيه قويا : طيب نزلني وحياة اغلى حاجة عندك .
وضعها بمنتصف الفراش ليهمس بصوت ابح وينظر اليها بنظرات حملت شوقة اليها قبل ان يقبلها بعاطفته الجامحة : انتي اغلى حاجة عندي يا رفيف قلبي .
***
عدلت من وضع جلوسها امام شاشة حاسوبها المحمول ، فتأوهت بخفوت وهي تربت على بطنها المنتفخة ، لتستمع الى صوت حماتها تهتف بها : برضه يا روفي ، مبتسمعيش الكلام وقاعدة كده ، مش قلنا تخلي بالك من نفسك يا بنتي .
ابتسمت برقة : انا كويسة يا ماما متقلقيش .
زفرت حماتها بقوة ونادت بصوت مرتفع : يا حازم تعالى شوف مراتك الي مش بتمسع الكلام دي .
طل من الداخل بشعره الاشعث ومنامته الناقصة من سترتها ، يبتسم برقة وهو ينظر اليها ، اقترب منها ليقبل راسها ويهمس : صباح الخير يا عيون زوما ، عاملة اية النهاردة ؟!
ابتسمت برقة ووجنتيها تحتقنان : كويسة .
قبل وجنتها تلك المرة ليسال : خلصتي شغلك ؟!
أومأت بالإيجاب وهي تتحاشى نظراته التي تلتهمها بشوق دفع الدماء الى وجنتيها بقوة ، فاقترب منها محاولا اقتناص شفتيها تلك المرة ليقاطعه صوت والدته التي هتفت بنزق : يا اخويا بدل السهوكة اللي ع الصبح دي ، اقنعها تقوم من قدام البتاع ده عشان القعدة دي كده غلط عليها .
حك انفه وهو يقاوم ضحكته التي كادت ان تجلجل من حولهما ليهتف بمرح : بس كده يا ماما ، علم وينفذ .
شهقت رفيف بقوة وهو ينحني ليحملها بين ذراعيه و يتابع : انا هخليها تريح النهاردة ، مش هخليها تقوم من السرير خالص .
همست بخفوت حاد : حازم اخص عليك نزلني ، مينفعش كده مامتك تقول علينا ايه ؟!
لف لينظر الى والدته - التي تبتسم اليهما بسعادة - وهي بين ذراعيه : هتقول ايه يعني ؟! هتقولي حاجة يا ماما ؟!
ابتسمت والدته باتساع لتداري خجلها : لا يا بني ، خد مراتك و ريحوا انتم الاتنين بس قولي الاول هتتغدوا ايه وانا اعمله .
صاحت تلك المرة : لا يا ماما ازاي بقى ، نزلني يا حازم بقولك .
ضحك حازم وهتف بجدية تلك المرة : ماما متعمليش حاجة انا هتصل بمطعم السمك اللي بتحبيه يبعتولنا غدا النهاردة
ليهمس بجانب اذنها : محتاج انا اكلة سي فود .
دفنت وجها في عنقه ليضعها على الفراش بلطف ويضع اذنه فوق بطنها : حبايب بابا عاملين اية النهاردة ؟!
اشاحت بوجهها في دلال : زعلانه منك .
جلس بجوارها : ليه بس يا روح حازم ؟
__ عشان احرجتني برة قصاد مامتك .
ابتسم بخفة : مفيش اي احراج يا رفيفي .
داعبها بطرف انفه ليقبل شفتيها برقة ويهمس : وحشتيني .
ابتسمت بخجل واخفضت وجهها بعيدا عن نظراته ليتأوه بمرح : اموووووت يا هووووووه فلتسقط بنت سلطح بابا .
تعالت ضحكتها بدلال ليقترب منها بلهفة قبل ان تنقلب ملامحها ويشحب وجهها وتهمس : الحقني يا حازم شكلي بولد .
***
وقف امام الباب الابيض يلهث بدعاء ان لا يفجعه الله في فقدانها ، كما فقد والدتها من قبل ، دموعه تكومت بعينيه تأبى الانهمار حتى لا ينهار معها ، يراقب زوج ابنته الذي على مدار اشهر ماضية اثبت له انه نعم الزوج والابن والسند له ولفتاته ، يتحرك في حركة متوترة وملامح مترقبه ، يلهث هو الاخر بالدعاء ويستجيب الى والدته في بعض الاحيان ويجلس الى جوارها ، والبعض الاخر لا يستطيع الجلوس فيتحرك بعصبية ناقلا توتره الى الجميع.
اقتربت خالة ابنته منه لترتب على كتفه : اهدى يا حازم يا بني ، مش كده قلقتنا معاك .
__ انا هتجنن يا خالتو ، بقالهم جوا كتير اوي .
تنهدت والدته بقوة : انا بصراحة مستغربة ايه اللي يخليها تولد في السابع ، ده حتى قبل اوانها !!
تبدلا النظرات هو و خالة رفيف ليعقد الوالد حاجبيه ويسال بجدية : في حاجة انتم عارفينها واحنا منعرفهاش يا حازم .
ضغط شفتيه ببعضهما ليهمس بقلق : بصراحة انا و رفيف كنا عارفين انها هتولد الشهر ده .
شهقت والدته بقوة في حين اتسعت عينا حماه بغضب اهوج ويصيح بغضب : بتقول ايه ؟
لتمتم والدته سائله : هو ده شهرها ؟!
انتفضت خالتها بقوة : اهدى يا ابو رفيف ، التفتت لوالدته - لا يا حجة ازاي تقولي كده ! رفيف في السابع زي ما انتي قلتي .
ظهرت الحيرة على ملامح والدته ليهمس حماه بنزق : اومال ايه تولد في الشهر السابع ليه ؟! ما ترد يا بني بدل القلق ده ؟!
سحب حازم نفسا عميقا : اصل رفيف حامل في توأم ،
ردد والدها و والدته في ذهول سويا : توأم ؟!
تابع بهدوء : الدكتور بلغنا من بدري ، بس احنا خفنا تعرف يا عمي فتقلق زيادة على رفيف ، نظر الى والدته - وانتي كمان يا ماما لانك كنتي قلقانه على طول عليها ، فقررنا منقولكمش الا لما تولد ، والدكتور بلغنا في اخر زيارة ان ميعادها الاسبوعين دول عشان حجم البيبهات بقى حلو واحتمال هي متقدرش تستحمل للتاسع ، فاحنا كنا منتظرين انها تولد في اي وقت .
اغمض والدها عينيه ليرتكن بظهره الى الحائط من خلفه لتمتم والدته بدهشة : توأم ! عشان كده بطنها كانت كبيرة عن العادي ، ومشيتها كمان كانت تقيلة شوية ، التمعت الفرحة بعينيها - ياما انت كريم يا رب ، بإذن الله تقوم بالسلامة ،
زفرت خالة رفيف بقوة : ربنا يقومها لنا بالسلامة ، بس عادي متقلقش يا بني البكرية دايما تاخد وقت ، ما تقولي حاجة يا ام حازم .
نظرت اليها والدته وقالت بهمس سعيد : والله قلت له بس هو قلقان بالزيادة ومش عاوز يهدي .
__ اهدى ازاي ومفيش حد بيطمني عليها !!
اقترب منه ليضغط على كتفه بلطف : اهدى يا حازم يا بني وسيبها على الله .
تهدج صوته : ونعم بالله .
انتبهوا جميعا على الممرضة التي خرجت للتو من خلف الباب الابيض العريض تسال عنه ، فاسرع اليها لتبتسم في وجهه : جالك ولد و بنت زي القمر .
همس بخفة : رفيف عاملة ايه ؟!
عبست بعدم فهم فقال حماه : الام اخبارها ايه ؟!
ضحكت الممرضة : بخير طبعا والحمد لله ، الام و البيبهات زي الفل .
سقط اباها جالسا ولسانه يلهج بدعاء وشكر الى الله ،في حين هو حمد الله ثم هتف : عاوز اشوفها .
__ حالا هتروح على اوضتها
جذبتها والدته من ساعدها : تعالي يا حبيبتي اما احلي لك بؤك ، تابعت الخالة : وانا كمان خدي دول حلاوة بشارتك الحلوة اللي زيك دي .
راقب الباب الابيض الذي دُفع من الداخل لتطل عليه هي بضيائها الخاص فتنير حياته من جديد ويتذكر اول مرة وقعت عيناه عليها ليبتسم ويهرع اليها يسير بجانب فراشها المتحرك ، يهمس بجانب اذنها : حمد الله على سلامتك يا حبيبتي ، حمد الله على سلامتك يا فتاة قدري .
تمت بحمد الله

نوفيلا ..فتاة القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن