رحلة قصيرة

1.2K 117 180
                                    

الصويرة|مدينة الرّياح
2009


أدعى أحمد و الكنية لا تهمّ، أبلغ من العمر خمسٌ و ثلاثون خيبة، لي طفلين اكبرهما يبلغ من العمر ستّ سنوات ، أعمل كمدرس لمادّة الرياضيات بمدرسة حكومية و أعيش على اجرها الذي يوفر لي و لأسرتي الصغيرة عيشا كريماً الى حدّ ما. اخترت المهنة لا حباً بالتدريس  ولكن طمعاً بأجرة تقاعد تضمن لأولادي مستقبلاً هنيئا و تغطية صحية ان اقتضى الامر عند العجز.


كان لي صديق يدعى سميرْ..


سمير كان فتىً لا يتجاوز عمره الثالثَ عشرة، قويّ البنية ، اسمر البشرة لكثرة ما لفحتها شمس الظهيرة بمرسى المدينة حيث يشتغل كحمالٍ تارة و بائع  سمك تارة اخرى و بلغةٍ أخرى فقد كان سمير يجلب قوت يومه و لو اقتضى الأمر أن ينتزعه من فم الأسد .


كان لسميرٍ شعر فحميّ، أنف حادّ، حاجبين كثّان يكادان يلتقيان بالمنتصف و لسانٌ سليطّ كثيراً ما كان يجلب عليه "الصّداع".

كان العمال بالمرسى يلقبونه ب"سريدينة" لسببين، اولهما كونه كان يشتغل بالمرسى بمهنٍ شتّى و ثانيهما كونه كان يحترف السباحة، دمه خفيف و يصادق الجميع بمن فيهم من يكبرونه سنّاً.

و بالرغم من كرهه للقب الذي سرعان ما انتشر كالنار بالهشيم حتى امتدّ الامر بزبائن المرسى لمناداته به-معظمهم كان يجهل اسمه الحقيقي- الاّ انه لم يكن يعترض على ذلك البتّة.


اتذكر مساء احدى الايام الصيفية و نحن جالسين على حافة الصقالة حيث نده اسمي على حين غرّة
"احمد، اصدقك القول يا رفيقي، انا اكره لقبي هذا"

نظرت نحوه مستغرباً، دوماً ما كان يفاجؤني بمكنونات صدره على حين غرّة من أمري، نظرت له بعد ان وضعت ورقة"الزّريعة السوداء" الملفوفة جانباً،  كان يحرك رجليه اللتين تنتعلين خفّي البلاستيك الذي لا ينزعه الاّ للنوم بالفراغ أسفلنا و بيده ورقة تحملٌ درهماً من الحمّص و قليل من الفول الذي يجود به البائع على كلينا لكوننا " زبونين دائمين"


"وعلاش؟ ظننتك تحبّه، الجميع يناديك به "  


زفر و اطرق ببصره نحو البحر الذي امتد ازرقاً عظيماً امام كلينا  " بل اكرهه، أحب الاسم الذي سماني اياه والدي، هو الذكرى الوحيدة التي ترك بحوزتي بعد رحيله، انت الشخص الوحيد الذي يناديني به الى جانب امّي فقط "


كان سمير فتى يتيم الاب، يعيش رفقة والدته التي اشتغلت لسنين ببيع الخبز المنزلي بمدخل المرسى، يرافقها سمير كلّ صباح على الساعة السابعة، يساعدها على حمل كرسيها البلاستيكي و مظلتها  التي تقيها حر شمس الظهيرة، اعتدت رؤية منظرهما كل يوم بطريقي للمدرسة فسألته يوماً بداعي الفضول

الصّقالةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن