وداعا ً يا ولدي
ت
بدأ القصة في ليلة من ليالي الشتاء القارص في اوائل سنة 1940 مع حسن وهو نجار بسيط يكسب فقط قوت يومه ويعمل في احدى ورش النجارة في حارة ضيقة فقيرة في احد احياء مدينة الاسماعيلية وليس لديه مكان يعيش فيه فكان ينام في الورشة بعد انصراف كل العمال وصاحب الورشة في المساء
وكان حسن وهو يبلغ الخامسة والعشرين من عمره على علاقة عاطفية حميمة مع "ثنية" التي كانت تعمل كخادمة لدى احدى العائلات الثرية في الاسماعيلية حيث كانت تعيش في منزل كبير به حديقة واسعة خلف المنزل وكانت ثنية بعد الانتهاء من عملها تذهب لغرفتها في الحديقة وتتعامل معها كانها منزلها الخاص فكانت ترتبها وتنظفها وتغسل ملابسها ثم تتناول وجبتها وتخلد للنوم على الارض فليس لديها سرير
كانت ورشة النجارة التي يعمل بها حسن واقعة في مقابل الفيللا التي كانت تعمل بها ثنية وكان حسن يشاهدها كل يوم وهي ذاهبة لغرفتها التي كانت تقع بالقرب من سور الحديقة المقابل للورشة وكان حسن يتغزل في جمال ثنية بينه وبين نفسه في كل يوم قبل ان ينام في المساء ويقول " ما تلك الفتاة الجميلة؟ انها شديدة الجمال...لماذا لا اتزوجها ويكون ذلك الجسم الجميل والقوام الممشوق لي وحدي؟" ويظل يفكر حتى ينعس وينام...وظل على هذا الحال ثلاث سنوات يعمل في الورشة ليل نهار بكل طاقته حتى استطاع ان يدخر مبلغ من المال فذهب اليها في ليلة من ذات الليالي بعد الانتهاء من عمله ونط فجأة من سور حديقة الفيللا التي تعمل بها ثنية والقريب من غرفتها التي تعيش فيها فتفاجأت به
ثنية:حسن...ما الذي أتى بك إلى هنا ...اذهب سريعا قبل أن يراك أحد من اصحاب المنزل
حسن:لا لن أذهب قبل أن اتحدث معكي في موضوع مهم
ثنية: وما هذا الموضوع المهم الذي جعلك تتصرف كاللصوص هكذا؟
جسن: أحبك وأريد الزواج منك
ثنية : أتقول زواج وأنت في تلك الحالة ؟ كيف يمكنك؟وأين سنعيش بعد الزواج؟
حسن:هنا في تلك الغرفة الصغيرة في الحديقة
ثنية:لا يصح في الحقيقة أنا أحب أن أعيش في بيت تشتريه من حر مالك ثم أن أهل المنزل لا يوافقوني على ذلك....أتريد قطع عيشي؟
حسن:وماذا افعل وأنا ليس لدي ما يكفي لشراء منزل جديد لنا؟
ثنية:إذن عندما تستطع شراء منزل ساتزوجك
وعاد حسن بعد هذا الحوار الساخن إلى الورشة ليبيت بها ويفكر في الامر وهو حزين ومكسور لأنه لم يستطع تحقيق مناه وأخذ يفكر في قرارة نفسه"ماذا افعل؟...إني أحبها حب شديد...سأتزوجها لكني في حاجة للنقود كي اشتري لها منزل جديد...اقترض من صاحب الورشة...لكن لا وكيف سأردهم له....ونام في تلك الليلة ثم استيقظ في الصباح واستكمل عمله في الورشة بكل نشاط وظل على هذا الحال مدة شهر كامل وفي ليلة من ذات الليالي بعد أن انتصف الليل وانهى عمله في الورشة سار ببطء نحو سور حديقة فيللا الاستاذ مروان التي تعمل بها ثنية وتسلق السور وسار ببطء نحو غرفتها ودخل عليها فجأة وهي سابحة في احلامها السعيدة وأيقظها فجأة لتجد حسن نائم فوقها ويحاول اغتصابها وسرقة اعز ما تملكه كل فتاة وهي تصرخ"الحقوني...استاذ مروان...أنا لا أريدك يا حسن..."وهكذا حتى خرج الاستاذ مروان للحديقة بمسدسة وظل يطلق طلقات من المسدس وسمعها جسن فهرب من الغرفة ومن المنزل على الاطلاق وذهب إلى غرفة ثنية فوجد ثنية تبكي بشدة وهنا أمرها الاستاذ مروان بعد ما لاحظ عليها الخوف الشديد أن تترك تلك الغرفة وتعيش معهم داخل المنزل
في صباح اليوم التالي ذهب الاستاذ مروان لقسم الشرطة وأبلغ عن حسن وأعطاهم مواصفاته وذهبت الشرطة للمنزل لتتحقق من البلاغ وظلت تبحث عن حسن في مكان الحادث فلم يجدوا أحد
ومرت ثلاث اشهر والشرطة مازالت تبحث عن المدعو حسن في الورشة التي كان يعمل بها الواقعة مقابل المنزل ولكن للأسف صاحب الورشة ظل ينكر معرفته بحسن أو أنه كان يعمل عنده ويبيت في الورشة
من ناحية أخرى شعرت ثنية ببعض التعب فتركت عملها وذهبت لسوسن هانم كي نسنأذنها في الراحة فسالتها سوسن :مابك يا ثنية؟
ثنية:لا اعرف بل شعرت ببعض الارهاق
سوسن:فلتذهبي لحجرتك وترتاخي
ثنية:شكرا لك يا هانم ...والآن اسمحي لي
وكانت ثنية قد اشترت من الصيدلية اختبار للحمل فعندما أخذت الاذن من سوسن هانم ذهبت لغرفتها أخذت تجري الاختبار وهنا تفاجات انها حامل وظلت تفكر في غرفتها"ماذا افعل؟ أقول لهم....لا لا انا لازم أخفي هذا الخبر والا فقدت عملي....دبرني يا ربي..." وعندما صعدت سوسن هانم لتنام مرت على غرفة ثنية لتطمئن عليها حسب تعليمات زوجها مروان فلم تجدها في الغرفة فذهبت تبحث عنها حتى وجدتها تخرج من الحمام
سوسن هانم: ثنية ...أين أنتي يا فتاة
ثنية: كنت في الحمام ..اتريدين مني شيئا قبل النوم
سوسن هانم: شكرا لك فقط كنت اتطمئن عليكي
ومرت ثلاث اشهر أخرى ومازالت ثنية تتكتم خبر حملها من فعلة"حسن" التي فعلها وهرب وهي تعمل لدى سوسن هانم والاستاذ مروان وهنا بدأ الجنين يكبر في بطنها ويظهر عليها الحمل وفي يوم من الايام كانت ثنية تعمل في المطبخ وفياثناء عملها في تنظيف المنزل وقعت ثنية على الارض مغمياً عليها وعندما تمت افاقتها وجدتها سوسن هانم وجهها اصفر يبدو عليه التعب الشديد
سوسن:مابك يا ثنية...احضروا الطبيب بسرعة
ودخل الطبيب وظل يكشف على ثنية فسالها:متزوجة يا ثنية؟وهي لا تجيب ...ثم كشف وسألها مرة ثانية:متزوجة يا ثنية؟ وثنية التزمت الصمت ولا تنطق بحرف
سوسن هانم:ماذا هناك يا دكتور؟
الطبيب: كيف تتركوها هكذا بلا رعاية ولا غذاء؟ لابد من الراحة التامة والغذاء الجيد لها وللجنين...
سوسن:جنين؟؟ أخبرني بسرعة ما بها؟
الطبيب: الم تعلمي أنها حامل في الشهر السادس؟ اعطوهل تلك الادوية ولا تنسوا الراحة التامة والغذاء وتركهم وانصرف
ثنية تبكي:سوسن هانم....اتوسل اليكي واستحلفك بكل عزيز لديكي لا تخبري أحد بامري وأنا ساحمل حالي وأمشي من هنا حتى لا أجلب لكم الفضيحة فأنتم لا تستحقوا مني هكذا
سوسن هانم: لا اطمأني ساخترع كذبة للأستاذ مروان كي أقنعه أن تعودي لغرفتك في الحديقة وتنتظري بها إلى أن تضعي مولودك
ثنية راكعة:اشكرك يا هانم ...وظلت تدعو لها بما لذ و طاب من الدعاء
وهنا حزمت ثنية حقيبتها ولملمت ملابسها المهلهلة وعادت مرة أخرى وحيدة في غرفة الحديقة واطمأنت عندما وجدت الورشة قد أغلقت بأمر من الشرطة وظلت ثنية في الغرفة إلى أن وضعت مولودها الاول محمود وذهبت مرة أخرى لسوسن هانم كي تتوسل اليها أن تعيدها للعمل مرة أخرى في المنزل حتى تستطع الانفتق على ولدها فذهبت للمنزل وطرقت الباب وفتحت لها سوسن هانم
ثنية:مساء الخير يا هانم...كيف حالك انا ثنية ...فكراني؟
سوسن هانم:طبعا ولكن ماذا بك؟ ومن هذا الذي قي يدك؟
ثنية:انه طفلي محمود لقد وضعته منذ شهر واحد
سوسن هانم:وماذا تريدين منا الآن؟
ثنية: اريد العودة للعمل لأنفق على هذا الطفل المسكين ...وأريد أن أسأل الاستاذ مروان أن يعيد البحث عن حسن لكي يعرف أن مسؤولياته زادت فهو اولا وأخيرا والد هذا الطفل ولابد أن يعرف طفله
الاستاذ مروان: اهلا ثنية...كيف حالك؟ من هذا الطفل الجميل؟
ثنية: انه طفلي يا بيه من حسن وأريدك أن تعيد البحث عن حسن حتى يرى طفله
الاستاذ مروان:كيف حدث؟ اتزوجتي منه؟ هنا أخذت ثنية تروي للأستاذ مروان ماحدث عندما قفز من سور الحديقة وهجم عليها في غرفتها في الحديقة واغتصبها
ظل الاستاذ مروان صامتا لعدة دقائق يفكر في امر هذا الولد الصغير ثم نهض وقال لها :انتي ستعودي لغرفتك في الحديقة ولكي أن تطمئني فهناك حراسة مشددة ...اما فيما يخص الطفل فانا سأتكفل بكل ما يلزمه من مصروفات حتى ينهي تعليمه الجامعي
شكرت ثنية الاستاذ مروان وسوسن هانم جزيل الشكر على معروفهما حيال الطفل المسكين وعلى موافقتهما على رجوعها للعمل بجانب الخادمة التي تعمل الآن وظلت تدعو لهما بالصحة والسعادة والعمر المديدواعطى مروان بعض النقود لثنية لتشتري للطفل كل ما يلزمه
ومرت اربعة اعوام على هذا الحال إلى أن كبر محمود ووصل لسن المدرسة وفي ذات يوم كان محمود يلعب الكرة أمام المنزل مع رفقاؤه من اولاد الخادمات ووجده الاستاذ مروان وهو عائد من عمله
الاستاذ مروان:كيفك يا محمود؟
محمود:الحمدلله
الاستاذ مروان:ماذا تفعل في الشارع
محمود:العب الكرة مع الاطفال
الاستاذ مروان:الم تذهب للمدرسة؟
محمود:لا...كيف أدخل المدرسة ونحن فقراء ليس لدينا ما يكفي للمصاريف ومستلزمات المدرسة
الاستاذ مروان:إذن كفاك لعب وهيا معي
ودخل الاستاذ مروان البيت متجها إلى غرفة ثنية في الحديقة ومعه محمود وثيابه مهلهلة من لعب الكرة طوال النهار وسألها في عنف:لماذا لم تبلغيني أن محمود بلغ سن المدرسة؟لماذا تركتيه يلعب في الشارع ويصبح هكذا؟غدا سأتوجه للمدرسة منذ الصباح الباكر وسادخل محمود المدرسة التجريبية الواقعة بجانب المنزلوسأحضر له كل لوازم الدراسة ....محمود لابد ان يكون أحسن ولد في مصر كلها بل وفي الدنيا كلها ...فقط اعطيني اوراقه كي اقدم له في المدرسة
وفي صباح اليوم التالي ذهب الاستاذ مروان للمدرسة وقدم اوراق محمود ودفع كافة المصروفات اللازمة وبعد أن وصل للمنزل حاملاً كل مستلزمات محمود التي يحتاجها للدراسة اعطاها لثنية وأخبرها أن محمود سينتظم في الدراسة من صباح الغد
ومرت عدة سنوات انتظم فيها محمود في الدراسة في المدرسة حتى وصل للصف الاول الاعدادي وفي يوم من الايام أثناء الدراسة في المدرسة وفي وقت الراحة اليومية كان يلعب مع زملاؤه بكرة القدم وتشاجر مع احدهم وقال له :أمك خادمة ...فضربه محمود ضرب مبرح وشاهدته الناظرة وقالت له الناظرة "لا تدخل المدرسة إلا ومعك ولي امرك" وخرج محمود من غرفة المكتب وهو يبكي فلا يعرف من هو والده وولي امره
وعندما عاد للمنزل قابلته والدته في استغراب ما هذا؟ما الذي فعل ذلك بملابسك ؟ فروى لها كل ماحدث وما قالته له المديرة ...فذهبت ثنية للأستاذ مروان وروت له ماحدث وماطلبته المديرة من محمود ..فسكت الاستاذ مروان ونظر لمحمود وقال له في غضب وثورة وصوت خشن"اذهب أنت الآن لتبدل ملابسك وتذاكر وعقابك معي أنا وأنا غذا سأقابل المديرة
وفي صباح اليوم التالي ذهب الاستاذ مروان مع محمود المدرسة وقابل مديرة المدرسة ثم قال لها اسمحي لمحمود أن يذهب لفصله وسمحت له وذهب لفصله ثم اغلق الاستاذ مروان الباب وظل يروي للمديرة ظروف محمود القاسية وطلب منها ألا تجرح الولد وألا تجعل أحد من زملاؤه يجرحه واعطاها رقم هاتف المنزل والعمل واخبرها أن تهاتفه شخصياً إذا حدث مشاكل أخرى
ومرت خمس سنوات على هذا الحال وكان محمود على وشك ان يدخل الجامعة ويتم دراسته الثانوية وهنا فاجا سوسن هانم المرض اللعين في صدرها وظلت تعاني طيلة الخمس سنوات حتى وافتها المنية وانتقلت للرفيق الاعلى بعد دخول مروان الجامعة مباشرة وحزن عليها الجميع وخاصة ثنية بشدة وبعد مرور عام من وفاة سوسن هانم بدأ الاستاذ مروان يشعر بالوحدة وبالفراغ التي تركته سوسن وهنا بدا الاستاذ مروان يفكر في الزواج وبدأ يفكر في ثنية كزوجة له وبالفعل بعد مرور عامين من الوفاة تزوج مروان ثنية وعاشت معه في البيت هي ومحمود حتى انهى دراسته الجامعية في عام 1967
وبعد أن سمع محمود عن فرص التطوع في الجيش المصري وقتها ذهب الاستاذ مروان ووالدته ثنية و استأذنهما في ان يتطوع مع زملاؤه في الجيش ولكن رفضت ثنية وقالت "أنا لن اتحمل فراق ابني الوحيد ثم أنا لا اضمن أذا كان سيعود ام لا" وتدخل الاستاذ مروان "اتركيه يا ثنية ...هذا واجب وطني ومن المفترض أن نشجعه...وعلينا كلنا ألا نتخلى عن وطننا ...ولو بأمكاني كنت ذهبت وتطوعت معه "واندهشت ثنية من كلام مروان وقاطعته"لكنه ابني الوحيد وأخاف عليه...."وطمأنها مروان "لا تخافي بل ادعي له"...
وفي صباح اليوم التالي استيقظت ثنية على صوت ضجيج ينبعث من الورشة القديمة الموجودة بجانب المنزل والتي كان يعمل بها حسن فخرجت ثنية من شباك غرفتها لترى ما هذا الصوت فتنظر لتجد الورشة مفتوحة والعمال شغالين فيها وشخص عجوزم يجلس على المكتب ويفلب في الدفاتر القديمة ...فذهبت ثنية وروت كل ما شاهدته لزوجها مروان ....فذهب مروان للورشة ليجد حسن قد استأجرها من صاحبها ويعمل بها
مروان في اندهاش:حسن؟ أنت هنا؟ كيف
حسن: عدت بعد انقضاء مدة العقوبة في السجن بالقاهرة
مروان:كيف؟
حسن:بعد أن هربت من منزلك قررت أن اترك الاسماعيلية وأنزل للقاهرة وعلى بوابة مدخل القاهرة تم القبض علي ودخلت السجن وبعد أن خرجت عملت مع عدد من ورشات النجارة في القاهرة
مروان: ولماذا قررت العودة هنا؟
حسن:لا اعرف ولكن فضلت أن يكون لي عملي المستقل هنا في مسقظ راسيوتكون لي ورشتي الخاصة دون تحكم من أحد وعندما فكرت أن استأجر ورشة فكرت في تلك الورشة لأني كنت اعمل بها منذ صغري واحبها بالفعل هي لم تكن "وش السعد" علي ولكن الدم يحن وأحببت الرجوع له مرة أخرى بعد ان ذهبت لقسم الشرطة وأخذت الاذن بفك الشمع الاحمر وإعادة فتحه مرة أخرى
ويصمت حسن دقيقة ثم ينهض:استاذ مروان...كيف حال ثنية؟
مروان:بخير والحمدلله لقد تزوجتها بعد أن توفيت زوجتي واصبحت وحيد
حسن :وبالنسبة لما حدث منذ ما يقرب من 30 عاماً
الاستاذ مروان يسخر:نحن تجاهلناه تماما
حسن:هذا معناه أن ثنية لم تحمل ولن تنجب؟
الاستاذ مروان :ربما يحدث بعد أن تزوجتني ولكن قبل هذا لا
وبعد يومان من هذا الحوار ظل الاستاذ مروان يبحث عن حسن في المنطقة بعد أن رأى الورشة مغلقة فعرف أن حسن قد اغلقها واعطى أجازة لكل العمال في الورشة لحين عودته وعندما سأل عنه مروان علم أنه تطوع في الجيش المصري
وبعد شهرين من ذلك اليوم اندلعت حرب اكتوبر المجيدة عام 1973 ومضى اسبوع نسمع فيها أخبار الحرب وأخبار الجيش المصري في الراديو ونقرأ الجريدة بعد عبور الضفة الشرقية من القناة ورفع العلم المصري فوقها وبعد اسبوع آخر من ذلك اليوم عاد حسن لورشته وعاد كل العمال من الاجازة واستأنف عمله بعد أن قام بتطويرها وأدخل عليها بعض الآلات الحديثة...وفي نفس اليوم وبالتحديد وقت المغرب وكان في شهر رمضان والناس تستعد لتناول الافطار دق جرس باب منزل مروان تذكرت ثنية ولدها وقالت لابد هو فاشتقت اليه
قام الاستاذ مروان ليفتح الباب ليجده احمد رفيق محمود من ايام المدرسة والجامعة واقف على الباب حاملا ملابس محمود وساعته وحافظة نقوده ...وهو ينظر للأرض لأنه خجلان من الاستاذ مروان ولا يعرف ماذا يقول
مروان في اندهاش:ما هذا يا بني؟
احمد في شدة الحزن والبكاء:انها ملابس محمود وأشياءه الخاصة قد اوصاني إذا حدث معه شيء اسلمهم لحضرتك يا عمو
مروان:وأين هو؟لماذا لم يحضر معك؟
وهنا يصمت احمد وهو يبكي بشدة:لقد سبقكم إلىجنة الخلد واعتبروه في الجيش شهيداُ من شهداء الحرب
وتسرع السيدة ثنية للباب لترى ماذا هناك مستقبلة الخبر بكل حزن تصرخ"ابني الوحيد...مات سندي وظهري...ويحاول مروان أن يهدأها وادخلها لترتاح بالداخل بعض الوقت وعاد للولد فقال له"أحمد ...فرد عليه وهو يبكي:لابد أن تذهب معي لتستلم الجثة من المشرحة"
مروان:حاضر...سنلتقي في الصباح الباكر ونذهب سوياً
وفي صباح اليوم التالي ذهب احمد رفيق محمود إلى منزل الاستاذ مروان ورافقه إلى المشرحة لاستلام الجثمان ...وصل مروان للمشرحة مغميا عليه واحمد انهار في البكاء وبعد ذلك افاق ودخل وتعرف على جثة ابنه محمود واستلموها وذهبا...هنا شكر مروان أحمد وقال له أنه سيذهب مشوار ومعه جثمان محمود
ذهب مروان إلى حسن في الورشة ومعه جثمان محمود ملفوف في قماش ابيض ولكنه احتفظ به في السيارة
حسن مندهش:استاذ مروان؟ما بك؟ ولماذا تبكي؟
مروان حزين:تعال نتحدث بعيد
حسن :مابك يا مروان؟
مروان:في صريح العبارة لقد كذبت عليك بشان ثنية والجريمة التي ارتكبتها معها منذ ثلاثين عاما
حسن :لا افهم
مروان:بعد أن فعلت فعلتك وهرببت منا منذ ثلاثين عاما اكتشفت ثنية انها حامل منك ولكنها اخفت عني واحتفظت بالجنين في بطنها حتى جاء للدنيا ...قلت في مفسي ما ذمبه وتكفلت به حتى وصل لسن الجامعة وكاد أن يكون طبيب وقبل أن ينتهي من دراسته ذهب وتطوع للاشتراك في حرب اكتوبر واستشهد وجثمانه معي في السيارة وأنا الآن قادم اليك لتشاركنا وداعه لمثواه الاخيروذهب الاستاذ مروان وأخرج جثمان محمود من السيارة واستلقاه حسن على يده في ذهول وحزن وهو يكلم نفسه من الحسرة:ماذا افعل الآن ؟أأنت ولدي؟ لا اصدق تلك هي اول وآخر مرة أراك؟ وظل يصرخ لماذا لم اراك من قبل يا ولدي؟
في صباح اليوم التالي ذهب مروان وثنية ووجدا حسن واقف يدفن بالبكاء والدموع جثمان محمود وققرأوا القرآن وعادوا للمنزل كلهم سوياً