الجزء الأول

1.2K 41 6
                                    

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
نوفيلا (الآنسة ميم)
الحلقة الأولى
أصدر هاتفه ذلك التنبيه المشير لتلقي إشعارا من أحد مواقع التواصل الاجتماعي، مد يده ملتقطا هاتفه بتكاسل، ناظرا لذلك الموقع بأعين نصف مفتوحة، لتتسع حدقتيه بعدم تصديق وهو ينتفض من فوق فراشه، معيدا قراءة ذلك الإشعار الذي يعلن قبولها لطلب صداقته المعلق منذ شهور، ليفتح حسابها متلهفا مرسلا لأول رسالة ترحيب بصداقتهما، محتارا كيف يكون محتواها، ليستقر أخيرا ليخط تلك الكلمات وهو يتلوها بصوت مرتفع: أزيك يا آنسة مرام، مش مصدق أنك أخيرا قبلتي طلبي.
انتظر ردها على أحر من جمر، ليأتيه ردها مطفأ حماسه محبطا لأماله التي تنامت سريعا لمجرد قبولها لطلب صداقته، ليردد بخيبة أمل: أنت مين؟
زفر محاولا نفض ذلك اليأس مرددا لنفسه بأنه قد أحرز هدف بصداقتهما الحديثة، فعليه بالصبر وتثبيت اقدامه بحياتها وستتوالى الأهداف حتى تختم المباراة لصالحه، انتشت روحه بالفكرة ليستعيد حماسه وهو يرسل معرفا نفسه ومذكرا إياها بلقائهما الأخير: أنا فادي مصلحي، مدير مكتب شركتكم بدبي، كنا اتقابلنا في الإيفنت اللي فات من تسع شهور.
لم يسمح لروتينية ردها بالنيل من حماسه هذه المرة: فرصة سعيدة
ليبتسم بسعادة وهو يخط: أنا أسعد، الحقيقة أني بعت طلب الصداقة من ساعتها وحاليا مش مصدق أن حضرتك قبلتيه أخيرا
ليصلها ردها المكتوب الذي لا يوشي بانفعالات كاتبه: أسفة أنا في العادة مبقبلش الصداقات على الأكونت ده لأنه أكونت العيلة وكل اصدقائي على أكوانتي التاني بس النهاردة كان اكسبشن وقبلت كل طلبات الصداقة بدون تمييز، عشان كده مركزتش في اسم حضرتك.
زفر مراوغا متمنيا إحراز هدفا ثان: للأسف أنا معرفش الأكونت التاني ولو أنه يشرفني أني انضم ليه وأكون من أصدقاء حضرتك.
لتصد هدفه بذلك الرد المقتضب: أكيد.
قرر أن يكون هجومه مباشرا: طيب ممكن اللينك بتاعه.
ليصله ردها الذي أشعل نيران حماسه من جديد: أوك، مفيش مشكلة هابعته لحضرتك.
ولكن اخمدت نيران حماسه بذلك الملل بعدما طال انتظاره ليزفر بضيق وهو يتخيل بأن موافقتها ما هي إلا مجاملة اجتماعية، ومجرد وعد لأنهاء المحادثة بشكل مناسب.
زفر بضيق وهو يقذف بهاتفه فوق فراشه متأففا ليتجه لمنشفته ساحبا إياها متوجها للحمام، ولكن بمجرد أن خرج من باب غرفته أصدر هاتفه ذلك التنبيه المنتظر، ليهرول متخبطا وقد ارتسمت ابتسامة منتشية على وجهه سرعان ما اختفت ليحل محلها ذلك الضيق عند مطالعته للحساب المرسل ليزداد ضيقه اطرادا مع زيادة عدد الرسائل الواردة، بينما يرتفع رنين معلنا وجود مهاتفة صوتية لنفس الحساب، نفخ بضيق مع تكرر الرنين بإلحاح مقيت، ليستسلم متقبلا المهاتفة أخيرا وهو يهدر بغضب: أيه يا مروة، عايزة أيه زن زن مش خلصنا خلاص.
ارتفع صوت بكاء هستيري يتخلله تلك الحروف المبعثرة بصوتها المختنق قهرا: الحقني يا فادي أبوس أيدك أستر علي أهلي لو عرفوا هيقتلوني.
ليصرخ منفسا بها عن خيبة أمله: ومفكرتيش فأهلك ليه قبل ما تعملي عملتك.
تعالى نحيبها وهي تغمغم بقهر:عاملتي، دلوقتي بقيت عاملتي لوحدي.
ليؤكد بصفاقة: أنا راجل ومفيش حاجة تعيبني، لكن أنت يا متربية يا بنت الأصول تعملي كده ليه؟
نهنهت وهي تشهق بينما تتقطع حروف كلماتها: وث..قت في..ك.
هدر صوته الغاضب يجلدها بسوط لسانه: بس أنا عمري ما هاعرف أثق فيكي، أثق أزاي في اللي خانت ثقة أبوها وأخوها، [زاجرا بعنف] ده أنتي قرطستي أبوك وجدك وفهمتي كل واحد فيهم أنك بايتة عند التاني وأنت بايتة في حضني، وأنا راجل متغرب ولازم أكون مطمن أني سايب ورايا ست بميت راجل.
برغم قسوة كلماته إلا أنها استماتت مدافعة عن أي فرصة لها بالنجاة: طيب أستر علي بس عشان اللي في بطني، وبعدين كل واحد يروح لحاله.
هدر بسوقية قاطعا أي أمل لها وهو يقطع محادثتهما بعدها: على بلاطة عشان تبطلي زن ومتوجعيش دماغي، أنا عمري ما أفكر أني اتجوزك واللي شرب اللبن ببلاش عمره ماهيشتري البقرة.
كاد أن يرمي هاتفه مجددا، وهو يزفر بضيق لتلك الرسالة الجديدة ظنا أنها إحدى توسلاتها بالرد عليها مجددا، لينهت بسعادة، وهو يرى أنها من مرام وقد صدقت وعدها، بل أنها هي من أرسلت له طلب الإضافة، لترتجف شفتيه وهو يعيد قراءتها ثانية: بعت لك طلب الصداقة.
ـ حسابي أسمه ميرو دي أنا.
ـ بصراحة مبحبش أسم مرام، بيفكرني بالرسميات والشركة وكل المسئوليات اللي على كتافي، لو عايزنا نبقى اصحاب بجد، يبقى ميرو وبس زي كل أصحابي.
زادت ابتسامته لتباسطها معه على هذا النحو ليأخذ زمام الأمر متوجسا: أحلى ميرو في الدنيا [قلوب حمراء]
ـ قبلت طلب الصداقة طبعا.
ـ ممكن نتكلم دلوقتي لو فاضية، احنا النهاردة اجازة [كفان ملتصقان برجاء].
جاءه ردها المخالف لرجائه: لا حاليا مش فاضية.
ـ وجوه تعبيرية تفكر.
ـ ممكن أكلمك بعد ساعتين ثلاثة.
ابتسم لإبقاء الباب مواربا وقبولها لحديثهما ولو بعد حين: هستناكي على نار.
ـ أوعي تنسي، عشان عايز أسألك على حاجة مهمة.
أجابته باختصار مغيظ: أوك، باي.
رد بإشارة وداع وعدد كبير من القلوب الحمراء.
انتهت المحادثة ولكنه لم ينتهي بعد من قراءتها لعدد مرات لا يعرفها، لا يصدق بأنه قد صار على تواصل معها، وقد تباسطت معه، بل هو على وعد منها بمحادثة قادمة.
انتزعه من شروده صوت ذلك الشاب: صباح الخير يا فادي، لما صحيت أصلي، كان نور أوضتك منور، أنت كنت صاحي.
ليغمغم بلامبالاة: صباح الخير يا شادي، أه كنت قلقان شوية.
سأله شادي باهتمام: المهم قررت أيه في موضوع البنت اللي أسمها مروة.
لينهره فادي معنفا: مش معنى أني فوت لك أنك اتصنت علي، يبقى من حقك تتدخل في حياتي.
صاح شادي مدافعا: أنا متصنتش، أنت اللي كان صوتك عالي.
صاح بضيق: معلش لسه متعودش أن في حد قاعد معايا، بعد كده هبقى أخد بالي.
أجابه شادي محاولا إنهاء الحوار الفرعي والعودة للأهم: حقك عليا يا سيدي، بعد كده هاقفل باب أوضتي، وهابقى اتنحنح قبل ما اتحرك المهم دلوقتي هتعمل أيه مع الغلبانة دي.
ضحك مستهزئا: والله ما في غلبان غيرك، أهي شغالة زن و مش راضية تحل عن دماغي.
صاح شادي مستنكرا: وأنت عايزها تسكت وهي في مصيبة زي ديه.
هدر فادي غاضبا: دي بتستعبط، ده أنا راجع من الإجازة دي من تلات اسابيع بس.
واجهه شادي مذاكرا بما يتجاهله عمدا: مش هي قالت لك إن اليوم إياه كان فاضل يومين على الظروف بتاعتها، ولما اتأخرت عليها قلقت وعملت اختبار دم؛ وعرفت أنها حامل في اسبوعين، وأهي بقالها اسبوع بتتصل تترجاك تستر عليها وتتجوزها وتعترف بابنك.
صاح بمكابرة محاولا التنصل من تبعات جريمته: وأنا ايش ضمني ما يمكن هي كانت حامل أصلا، وراحت معايا عشان تلبسني الليلة.
زفر شادي مستغفرا بضيق: اتقي الله يا فادي ده انت بنفسك قولت أنها  كانت صاغ سليم، وكان واضح قوي أنها خام وعبيطة جدا، ده غير أنها بعتت لك صورة من التحليل وحلفت أنها مستعدة تعمل أي فحص تطلبه، يعني أنت متأكد أنها لو حامل هيبقى منك؟.
ضحك متهكما مقلدا أحد فناني الكوميديا: حصل بس هانكر.
صدم شادي لا يستوعب أن يستخف شقيقه بأمر كهذا: أنت بتهرج، البنت في مصيبة فعلا.
ليرفع كتفيه بلامبالاة: أهو نصيبها بقى، والله أنا نفسي معرفش أيه اللي جابها عندي في اقتراحات الصداقة، مع أن مكنش بينا أي أصدقاء مشتركين.
حاول شادي ترهيبه لعله يتراجع: بس ممكن تعملك مشاكل وتشوشر عليك، أو حتى ترفع قضية نسب.
أومأ نفيا بثقة: لا متقلقش هي متقدرش تفتح بوقها.
تعجب شادي من ثقته: وأنت واثق قوي كده ليه.
أجابه فادي بتقرير وثقة: أصلها من الصعيد واهلها صعبين جدا عندها أخ مطلع عينيها، الست شهور اللي اتكلمنا فيهم مبطلتش كلام على أخوها وقسوته اللي بتخليها تمشي تتلفت حوالين نفسها، ده حتى كان رافض أنها تتعلم، بس جدها هو اللي مدلعها وصمم ،نها تكمل تعليمها، خصوصا أنه بيشتغل في القاهرة وحكم رأيه تقعد عنده في الدراسة، وأخوها مقدرش يكسر كلمته.
زاد تعاطف شادي لم عرفه عن صعوبة وضعها وتعقيده: بس حكاية أنهم صعايدة وشداد دي مطمنش، خصوصا أنها ممكن متعرفش تتصرف وأهلها يعرفوا.
أجابه بنبرة هادئة، وهو يلقى المسئولية كاملة على ضحيته كعهد كل المجرمين: محدش بيغلب وكويس أنها عرفت الموضوع في أوله، بكرة واحدة صحبتها تدردحها وتعرفها تتصرف أزاي، وبعدين محدش ضربها على أيدها، هي اللي عبيطة وبتدوب من أي كلمتين حلوين تسمعهم، وأن مكنش أنا، كان هيبقى واحد غيري، تحمد ربنا يمكن كان يبقى واد ابن حرام يصورها ويفضحها، أصل اللي ترخص نفسها محدش يغليها.
ضاق صدره وهو يتخيل شقيقته بوضعا كهذا، ليهدر بشقيقه غاضبا: أيه يا أخي أنت شيطان، بقى المفروض تحمد ربنا أنه مكنش ابن حرام، ده على أساس أنك باللي عملته ده ابن حلال.
صدم للحظات غير مصدق لتجرأ أخيه عليه للمرة الأولى: أنت بتزعقلي، كبرت وتخرجت وواقف تناطحني وتحكم علي.
تنحنح شادي معتذرا: أسف والله ماقصدت، ده أنت اللي مربيني يا فادي، ولو اتخرجت زي ما بتقول فكله من شقاك، بس أنا صعبان علي البنت، لدرجة أني لو أعرف هي مين كنت رحت أنا اتقدمتلها.
صاح ثائرا من سذاجة شقيقه: ميصعبش عليك غالي، أصلك لسه شبل، لكن أخوك لعيب كبير، انسى موضوع البنت دي خالص، ماتش وانتهى، ولو كان ينفع الأول فبعد اللي حصل الصبح بقى مستحيل.
صعق من منطق أخيه وتشبيهاته المختلة: ماتش أيه ولعيب أيه، بنات الناس مش لعبة.
انفعل فادي هادرا: لا لعبة، الدنيا نفسها لعبة، ماتش كورة كبير مبيكسبش فيه غير الحريفة والطيبين اللي زيك هما اللي بيتشاطوا، وأنا خلاص عرفت طريقي، وقدامي فرصة العب  ماتش العمر كله، اللعبة اللي لو عرفت ألعبها صح هابقى فوزت بكاس العالم بجد.
تمتم شادي مندهشا: للدرجة دي.
أومأ مؤكدا بحماس: وأكتر من الدرجة دي بكتير، دي مرام الديب يابني.
شهق شادي مصدوما: الأستاذ مرام اللي ماسكة فرع الشركة الرئيسي بمصر.
ابتسم منتشيا: مرام الديب، حفيدة صفوان باشا الديب.
صاح شادي مستنكرا: أنت اتجننت أنت مش عارف مين هو صفوان الديب.
غمغم ببطء مقصود: الديب العجوز.
صاح شادي مغتاظا: أديك عارف، أنت متخيل الرجل ده ممكن يعمل فيك أيه لو عرف أنك بتلعب بحفيدته، وفاكرها ماتش من بتوعك.
ابتسم  مشاكسا: وأيه المشكلة لو الماتش مسجل رسميا وعلى سنة الله ورسوله.
فغر فاهه بصدمة: تتجوزها، [صائحا باستنكار بعدما تجاوز صدمته] وأنت فاكر أنه واحد زيه هيرضى يجوزها لواحد بيشتغل عنده.
ابتسم  بخيلاء متحدثا بتعالي مصطنع: مشكلة الهواة اللي زيك، أنهم ميعرفوش قواعد المحترفين واللي أهمها دراسة خصمك وأنك تبقى عارف كل ردود أفعاله المتوقعة بناء على تاريخه السابق.
شادي ببلاهة: مش فاهم!
أردف بثقة: يعني أنا كمحترف درست خصمي كويس، باقولك أن صفوان باشا هيوافق وهيساعدنا كمان.
صاح شادي مستنكرا: اشمعنا.
عدل من هندامه وهو يبتسم بثقة: صفوان باشا مخلفش غير ولد وبنت، زياد ونادين الله يرحمها، دكتور زياد طول عمره بيكره البيزنس وكل اهتمامه كان بالأبحاث والدراسات العليا، لكن نادين كانت أيد أبوها اليمين بالشركة وهناك حبت حتة محاسب بيشتغل عند أبوها، ده أيام ما كان ماسك السوق بأيد من حديد، وقتها بهدل الدنيا وودا الشاب ده ورا الشمس فعليا، لكن نادين عيت وقتها جدا ووالدها اضطر يخرج الشاب ويوافق على جوازهم، بس بشرط أنه يخدها بعيد ويقطع علاقته بيهم، والشاب اثبت أنه مش طمعان وخد مراته وبعد عن العيلة والشركة وكل حاجة، بس بعد عشر سنين نادين ماتت ودي الصدمة اللي صفوان مستحملهاش، وانجلط وانشل فيها.
تسأل شادي بحيرة: وأيه علاقة القصة دي بيك أنت ومرام.
مط فادي شفتيه بيأس كمعلم خاب أمله بتلميذه: كل القريبين من صفوان باشا بيقولوا أنه ندمان جدا، وأن أكتر حاجة كسرته أن نادين ماتت وهي نفسها تشوفه بس هو كان مصمم على عقابها، ده غير أنه أتاكد أن جوزها كان راجل بجد ومكنش طمعان فيها، بالعكس ده بعد موتها رفض تماما ياخد مبلغ كبير جدا عرضه عليه الباشا كحق لنادين في ثروته، [مردفا بلهجة خبيثة] تفتكر بقى واحد زي صفوان عنده استعداد يعيد موقفه تاني مع حفيدته الوحيدة.
صاح شادي مستنكرا: بس الوضع مختلف، مرام مبتحبكش.
لمعت عينيه بعبث:  ماهو ده ماتش العمر اللي بقولك عليه، الأول ماتش ذهاب وده هيبقى معها هي  هاخترق كل دفعاتها وهاهاجم وارقص مشاعرها وأشوط، وأول متبقى زي الخاتم في صباعي، [ارتعش صوته لمعرفته بمكانة خصمه وقوته] هيبقى ماتش العودة مع صفوان باشا شخصيا بس هبقى على أرضي وجمهوري حفيدته حبيبة القلب.
صمت شادي للحظات ليستوعب ما سمعه قبل أن يغمغم بازدراء: أنا مش مصدق أن فادي أخويا اللي أتربيت على أيده، هو نفسه اللي بيلعب بالبنات ويستغلهم، طيب أفتكر حتى أن لينا أخت.
زفر متآففا: باقولك هاتجوزها أيه الحرام في كده، لو عشان الفلوس فهي عندها ملهاش قيمة، لكن أنا محتاجها، وكل الشباب دلوقتي بيختاروا الموظفة اللي تساعدهم، أ نا بقى كفرت وناسي أختي عشان طموحي أكبر من مجرد مرتب.
بادله شادي الصياح: واللي عملته مع مروة.
تلاشت ثورته فجأة وهو يبتسم متهكما: ماتش واتنهى، هي اللي مصرة تحسب علي النتيجة، رغم أن الكل عارف أن الجون التسلل مابيتحسبش.
هم شادي بالاعتراض ثانية، ليمنعه فادي ساحبا منشفته متجها لخارج الغرفة، منهيا الحوار باستياء: فكك من الحوار الفاكس ده، أنا عارف باعمل أيه، أهم حاجة استعد لماتش العمر.
**********
فرغ يوم إجازته بالكامل في انتظار وعدها بالتواصل معه ثانية، وطال انتظاره وهو يتفحص هاتفه عشرات المرات يتأكد من نسبة شحنه وارتفاع صوت رنينه، حتى نال ثمرة صبره وهو يرى رسالتها التي رقص لها قلبه على الرغم من أنها لم تكن تحوي أكثر من كلمة واحدة، {هاي}.
ترددت أصابعه وهو يخط رسالته خوفا من أن يكن تعجله خطأ يرجعه لنقطة الصفر، ولكن حزم أمره وهو يضغط زر إرسالها بتوتر بالغ {ممكن نتكلم أحسن من الشات}، ليتبعها سريعا برسالة أخرى {لو مش حابة ممكن فويس، لأني بازهق من الكتابة}.
احتبس انفاسه مترقبا ردها، لينتفض بنشوة وهو يستمع لرنين هاتفه معلنا وصول اتصالها الأول به، ليسرع بالرد متلهفا: مساء الخير يا ميرو.
ضغط على كنيتها تأكيدا على رفع الكلفة السابق بينهما، وتأكيدا على تذكره لكل ما تتفوه به بعدما أخبرته بتفضيلها لهذا الاسم، وتيقن من اتباعه للأسلوب الأمثل وهو يسمع ردها الهادئ: مساء الخير يا فادي، آسفة لو مركزتش ومقبلتش الأد من بدري.
ابتسم بثقة اكتسبها من لطفها معه: ولا يهمك، بس أنا أكيد محظوظ النهاردة أنك قبلتيه، ولو أني مستغرب الصراحة اشمعنا النهاردة غيرتي نظامك وقبلتي كل الأد.
زفرت بحزن وهي تغمغم بضيق: ممكن مجاوبش على السؤال ده.
حاول أن يبدو صوته هادئ وهو يجيبها برقي مفتعل: أكيد.
زفرت براحة وهي تغمغم: شكرا، المهم كنت قولت لي أنك عايز تسألني على حاجة مهمة، هو في أي مشكلة عندك في الفرع.
ضحك بمكر: بصراحة مش هينفع أسأل، لأنه نفس السؤال اللي رفضتي تجاوبيه من شوية.
وصلته تنهيدتها الحارة، لتصمت بعدها لدقائق ندم خلالها على إلحاحه، قبل أن تفاجئه وهي تجيبه بشرود: ممكن تقول لحظة تمرد أو صرخة استغاثة.
لم يخفي لهفته لمعرفة ما يدور بذهنها: مش فاهم ممكن توضحي لو مش هاضايقك.
اجابته بنفس الشرود وكأنها تحدث نفسها: يعنى لما يكون واحد فارض نفسه عليك، رغم أنه عارف أنك رافض وجوده في حياتك، ويجي بمنتهى البساطة يقول ملاحظة على أصدقاء عندك وكأنه صاحب حق، ورأيك في علاقتكم مش فارق معه، تعمل أيه.
اجابها بعزم موحيا بأنه يفهم دواخل نفسها: أقبل كل الأد المتعلق، عشان أنا كمان اوصله أنه ولا حاجة، ، وأن رأيه في تصرفاتي مش فارق معايا.
ضحكت بسعادة: برافو عليك، وقد كان.
ضحك لضحكها وهو يتسائل بخبث: طيب ممكن أعرف مين عم اللطيف ده ولا ده كمان سؤال متحبيش تجاوبي عليه.
صمتت للحظات انتظر ردها بها وقد أيقن من أن الحظ خدمه فمن الواضح أنها بحاجة للحديث: وائل السلاموني ، وطبعا أنت زيهم كلهم، وشايف أن اللي ترفض وائل السلاموني تبقى مجنونة.
حاول التمسك بهدوءه فأين هو من ذلك الشاب المعروف ابن شريك والدها، ولكن رفضها له أثلج صدره، ليردف ببساطة: لا شايفك إنسانة، من حقها ترفض اللي روحك متقبلتهوش مهما كانت مزاياه وإمكانياته، أنت مش روبوت تديله معطيات فيخرج بنتيجة ثابتة.
زفرت بارتياح: أخيرا حد فهمني.
ابتسم بسعادة وقد أمسك بخيوط شخصيتها: مش مهم أي حد يفهمك، كفاية أنت تكوني فاهمة نفسك وعارفة أنت عايزة أيه.
عاد الحزن لصوتها: وتفتكر حد هيسمحلي أعمل اللي أنا عايزه.
أردف بعزم: مش من حق حد يسمح أو مايسمحش، دي حياتك أنت والمفروض تعيشيها بالطريقة اللي تريحك.
زفرت بحرارة وهي تردف بحزن: محدش حاسس بي ولا يهمه بافكر في أيه ولا عايزة أيه كل اللي يهمهم اللي هما عايزينه مني، الابتسامة الدبلوماسية واللبس الفورمل وترس بيدور في ماكنة عيلة الديب، أتجوز ابن شريكنا والشراكة تتوثق تاني بس المرة دي على أيد المأذون، وطبعا أجيب الوريث اللي يشيل أسم العيلتين ويكمل المسيرة.
اندفع صائحا: منتيش مضطرة لده، عيشي حياتك وأعملي اللي حابة تعمليه مش اللي هما عايزينه.
صمتت للحظات قبل أن تتنهد بحرارة: أسفة صدعتك، بجد مش عارفة أزاي فتحت لك قلبي بالشكل ده.
همس بحنان وتفهم مبالغ بهما: بالعكس أنا سعيد جدا أننا اتكلمنا سوا، واتمنى أنك تعتبريني صديق حقيقي تقدري تتكلمي معه، وأنت متأكدة أنه يهمه مصلحتك وعمره ما يخذلك.
أكدت على كلامه بقوة: أكيد، طيب وأنت مش هتتكلم عن نفسك.
تنحنح متوترا، يخشى أن تكن ظروفه عائق في طريقه إليها، ليخرج صوته مهتزا رغما عنه: أنا يعني من عيلة متوسطة والدي، متوفي وعندي أخ وأخت، أنا المسئول عنهم لأني الكبير.
هتفت بحماس: برافو عليك، أنا باحترم جدا الشباب اللي زيك، اللي معتمد على نفسه مش اسم عيلته أو فلوسها.
ضحك بسعادة وقد بثه حماسها الثقة: أنا بنيت نفسي بنفسي، وكنت باشتغل من وأنا في أولى ثانوى، عمري ما اعتمدت على حد، بالعكس عيلتي هي اللي بتعتمد علي.
اجابته بود: ربنا يباركلك فيهم، طول عمري كان نفسي يبقى عندي أخوات.
ضحك بمرح: اتفضليهم.
بادلته الضحك، وهي تشاكسه بمرح: وأنا موافقة، هما اسمهم أيه، وعندهم كام سنة.
اجابها منتشيا بحميمية الحوار: شيرين في تانية أداب، وشادي لسه متخرج من كلية زراعة السنادي طازة وجه يشتغل معايا هنا في دبي.
صاحت مندهشة: أيه ده أنت أخوك شغال معنا هو كمان.
تنحنح يخفي حرجه بتصنع المرح: لا احنا مبنشغلش الأشكال دي، شادي أخويا، بيشتغل هنا في دبي، بي مش في الشركة بيشتغل في سوبر ماركت.
غمغمت بحيرة: طيب وليه مشغلتوش معاك في فرع دبي.
صاح مستنكرا: باقولك خريج زراعة، أيه علاقته هو بشغلنا.
لتغمغم شرود: أوك، [مغيرة مجرى الحديث] المهم أنت هواياتك أيه بقى.
استمر الحديث بينهم لمدة طويلة وانتهى بوعد بحديث أخر، وتكررت الوعود والأحاديث حتى صار كلا منهما جزءا من يوم الأخر حيث يبدأ وينتهي بمحادثة تزيد من التقارب بينهما على نحو سريع لم يتخيله أيا منهما.
انتفض فادي من فوق فراشه بمجرد أن صدر عن هاتفه تلك النغمة المخصصة لمهاتفتها، ليختطف هاتفة بلهفة ليجيبها بصوت لم يتخلص بعد من أثار النوم: صباح الخير يا ميرو.
وصله صوتها المرح الذي اعتاد الاستيقاظ على نغمته مؤخرا: صباح الخير يا كسلان، لسه نايم عايز الموظف الجديد يبصلك ويقلدك من أولها.
ذكره حديثها بتلك المفاجأة التي علمها بالأمس، ليعاتبها مصطنع التذمر: صحيح، كده يا ميرو، معقول اللي عملتيه امبارح ده.
ضحكت بمشاكسة: وهو معقول أنك تكون مدير مكتبنا، وأخوك يشتغل في سوبر ماركت.
غمرته السعادة رغم رد فعل أخيه الرافض ولكن يكفيه تجاوزها كل الضوابط إكراما له: بس أيه علاقة مؤهله بالعلاقات العامة، عشان يبقى رئيس قسم مرة واحدة.
اجابته بعفوية زلزلت كيانه: هو فيه مؤهل أهم من أنه أخوك.
زفر يلتقط أنفاسه خوفا أن يتهور بينما هي تعتبره مجرد صديق، لذل اكتفى أن يعترض بتعفف كاذب: وبعدين معقول المرتب ده كله ده قرب على مرتبي مينفعش كده.
ضحكت عابثة: يبقى نزود مرتبك.
تراقص قلبه فرخا بينما حاول أن تبدو نبرته جادة رافضة: ميرو أنا مبحبش الوسايط، وبعدين محبش حد من التيم يفتكر اني استغليت إدارتي للمكتب لتشغيل أخويا.
أجبته بثقة وخيلاء: قرار التعيين ممضي من صفوان الديب شخصيا، واعتقد محدش ممكن يعلق على أمضة صفوان الديب.
الح متشبثا بشبهة كرامة لا يملك منها شيئا: لو متكلموش في وشي هيتكلموا من ورايا، أنا مش همشي شادي من الشغل، بس ممكن اغير المسمى الوظيفي والمرتب.
لتطرب أذنيه بما تمنى سمعه وهي تخبره بحزم: التيم كله يتغير وشادي المصلحي لا.
لم يستطع التصنع أكثر من هذا وهو يضحك منتشيا: بصراحة أنت مشكلة، دي أول مرة من سنين ورقة تتمضي من صفوان باشا نفسه، كل الورق بيمضيه مستشار المجموعة بالتوكيل اللي معه، وكلنا عارفين أنه دراع الباشا اليمين، أزاي قدرتي تخليه يتخطاه ويعمل اللي أنت عايزه.
لتجيبه بدلال: هو دراعه لكن أنا قلبه.
روح اللاعب به آبت أن تفلت تلك الفرصة دون مراوغة، ليندفع بتسديد هدفه نحو قلبها: وقلبي أنا كمان يا ميرو.
**********
أيه رأيكم في البداية، وتفتكروا ممكن يكون ردها عليه يكون أيه، وياترى مروة هتقدر تتصرف في المشكلة اللي هي فيها ولا هتتفضح.
**********
مع تحياتي/ منى الفولي

الآنسة ميمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن