فجر

10 0 0
                                    

أيام برائحة عطرك،
للكاتبة آية عبد الرحمن.

مرحبًا، ندى..

لا أدري من أين أبدأ رسالتي، أسبوع مرَّ وأنا مترددة، ومسحت كل ما أردت كتابته على مدار أيام، وأتمنى لو أستطيع أن أصف لكِ مقدار الارتباك الذي اشعر به الآن، لتلك الرسالة غير المتوقعة، والسبب الذي يدعوني لكتابتها.

قبل أسبوع تقريبًا التقيت مروان، ولم يكن هذا لقائي الأول به، إذ إنني أعاني مطارداته السخيفة منذ فترة، لكنه في آخر مرة استطاع أن يتغلّب عليّ ويثير البلبلة في عقلي، وكل هذا بسببك، أو لأجلك.

أنا هبة، لعلكِ ما زلتِ تذكرينني، لعلكِ ما زلتِ تهتمين بي، لعلكِ تسعدين برؤية اسمي في تلك الرسالة. أنا هبة يا ندى، أخبرني مروان كم بحثتِ عني بعد اختفائي، أخبرني كم تألمتِ لرحيلي دون كلمة تفسير أو وداع، أخبرني أنكِ كنتِ ممتلئة بغضبٍ سرعان ما استحال يأسًا وألمًا، ظلا يسيطران عليكِ كلما ذُكر اسمي، حتى اختفيتِ بدوركِ ولم يُعثر لكِ على أثر.

تُرى من الأحق بالغضب يا ندى؟ أنتِ أم أنا؟ أيحق لكِ أن تغضبي لكوني رحلتُ دون إنذار، وتواريتُ عن كل من لم يكترث لأمري؟ أم يحق لي أنا الغضب، لأنني بعد هذه السنوات، أكتشف أن ثمة شخص تركته خلفي يعاني دون أن أعلم، لأنه لم يخبرني قط أنني مهمة بالنسبة إليه؟

كلمات مروان تؤلمني، تثير داخلي شعورًا ثقيلًا بالخزي والألم؛ ما تخيلت يومًا أنني قد أشعر باحتقار نفسي، لكنني حقًا أشعر بهذا، ولا أطيق فكرة أن أحتل في عالمك الموضع الكريه الذي يحتله مروان وسمير في عالمي. أريدك أن تفهمي جيدًا أنني ما فعلت ما فعلت، إلا لأنني لم أعرف أني سأوذيك، وأنني ما رحلت تاركة وعدَكِ الرقيق خلفي إلا لأحفظ صورتك الجميلة كما هي بأعماقي، إلى الأبد، ولأتركك عند تلك المسافة التي تجعلنا نرى من نراه في أبهى صورة. خشيتُ أن أختصر تلك المسافة بيننا فنصطدم، ويغدو كل جميل بيننا -على قلته- شيئًا مؤلمًا مؤذيًا كالذي يربطني بالآخرين.

ولكن، هل ستصدقينني لو قلت لكِ إنني حقًا لم أنسكِ؟ من الغريب أن أنتبه لهذا الأمر الآن فقط وأنا أكتبه. حقًا يا ندى لم أنسكِ، لقد كنت تطلين من نوافذ ذاكرتي في لحظاتٍ كثيرةٍ جميلة، بعضها يتشابه مع لحظاتنا القديمة القليلة. وفي لحظاتٍ أخرى، كنتُ أتمنى وجودكِ، لحظات كان يملؤني فيها شعور غامض بأنها كانت لتصبح ذكرى حُلوة تنضم لدفترنا المشترك، لو أننا حظينا معًا بوقتٍ أطول.

نحن لم نحظ بهذا الوقت الأطول قط لأنني كنت أتألم حد الموت يا ندى، كنتُ أشبه بطائر مجروحٍ يكاد يهوي من علٍ، ولم يجد سبيلًا لاستنفاد نفسه سوى العودة إلى عُشِّه، وقد عدتُ إلى عُشٍ صنعته بنفسي لنفسي، تواريتُ فيه حتى شفيت جروحي، وأصبحتُ قادرةً مجددًا على الطيران، لكنني لم أفكر في التحليق مرة أخرى في مرمى الألم، لهذا لم نلتق، لهذا عشت آمنة، لائذة بأحضان السلوى والنأي، حتى التقيت مروان.. مروان، مثار الألم، وعصف الأوجاع.

أيام برائحة عطركحيث تعيش القصص. اكتشف الآن