مستورة

3 0 0
                                    


أصوات عالية متداخلة تموج برأسها المجهد ، ودموع متجمدة تعكس لمعة ترافق التماع آشعة الشمس ،ببطء نزلت مستورة من الحافلة؛ مشت شاردة ، سمعت نداء السائق، رجعت خجلة تعتذر، دفعت الأجرة ، نسيت الباقي من النقود.

    أكملت مسيرها، آلام رأسها وجسدها تُزيد شعورها بالإجهاد، شاعرة بالخواء؛ جسدها كهيكل فارغ تدور الريح وتصفر داخله ، دارعقلها في حلقه مفرّغة من الألم إلى الحزن والذي قذفها بدوره لليأس، ليزيد آلامها أضعافا مضاعفة..

     تعثرت قدم مستورة في حجر صغير، إلتوى كاحلها، كادت تنكفئ على وجهها؛ إستندت على سيارة متوقفة بجانب الطريق؛ منعتها من السقوط. عرجت إثر الالتواء، رددت اذكار الصباح وبعض الآيات القرآنية حتى وصلت لمحل عملها، فتحت الباب الرئيسي للعمل، ثم أبواب المكاتب والشبابيك، بدأت في مهمتها اليومية من كنس ومسح وتلميع المكاتب حتى أنتهت كما تنهيه كل يوم منذ عشرين عامًا لكنها اليوم بطيئة عن أي يوم آخر؛ مُتألمة مُتعرقة، تتحرك ك الألي، أدت العمل بلا تفكير، عقلها كالأسلاك المتشابكة. بدأ الموظفون في الوصول لمكاتبهم ، انهمكت مستورة في تلبية طلباتهم

نادت حنان: – مستووورة الشاي والبسكويت

 تبعتها منال: – - وقهوتى يا مستورة 

 تتابعت الأصوات طالبة مشروب الصباح، ومستورة تنّفِذ بلا رد، رغم كثرة مشاكلها كانت تمُازحهم وهى تقّدِم طلباتهم ؛ لتخرج من حزنها العادي، لكن حزن اليوم أقوى من أن تخرج منه بالمزاح 

تذكرت... 

   صوت سيد العالي يصل للسماء، دق بيده المنضدة بعنف ونظرة أتهام لأمه كمن ارتكبت فاحشة:- 

- ألا تخجلين من نفسك، تريدين فضحيتنا، نسيتى إنك 

 سعل سيد من أثر النارجيلة، أمه تنظر للأرض ممسكة رأسها بيديها مستندة بكوعيها على ركبتيها صامته ودموع غزيرة هطلت من عينيها.

أكمل سيد تقريعه لأمه:-

 - نسيتي كم عمرك؟ّ تريدين الزواج يا (نوغه )

   صرخت في أبنها:-–

 - مائة ســنة؛ عمري مائة سنة سوداء، وكفى قلــة أدب لا تنســى أني أمك، أنتــم من نســيتم، ضياع عمري مع ابيك، والضرب بالحزام الجلد، وياليتـني ارتحــت حين اصابه الشلل، إنمــا خدمـتـة وحملته كالطفل وهو بضعف وزني،أأكلــه وأغيرلــه ملابسه ، وحــدي، لا أحد حمل معي ولا تحمل بذاءته وطولــة لســانه، وعملت خادمة لأوفر لكم الطعام ومصاريــف تعليمكــم وملبســكم، وعلاج أبــوك، حتى عيينــت في المصلحة الحكومية ، عاملة للتنظيف

 أشاح سيد بيده : – - مالنا وسيرة أبي الله يرحمه انتهينا ، لنتحدث في فضيحتك

علا صوت مستورة : –- اخــرس؛ الزواج ليس فضيحــة أنما زواج علــى ســنه الله ورســوله ، مرضت مــن الخدمة والعمل، اريد ســند ظل رجــل ولا ظل حائط ، أم سأظل أبيــع الشــاي وأخــدم طــوال عمــري ، عملــت مايجب علي عمله ، كبرتم وتزوجكـتم أنــت وأخوتــك وانتهى الأمر، شــقيت وعملــت جمعيــات وســلف مــن المرتــب ووقعت كمبيــالات؛ لأجهــز أختــك وشــبكتك وشــقتك أنــت وأخــوك وســددت ما علي للآخــر. 

مستورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن