2

6 1 0
                                    

ظل أسود الزي يركض متحفزًا خلف هدفه، الذي رآه يدخل ممرًا، مدخله ذا غرة قوسية..لم يدخله لما لم ير الشاب داخله، وخشية أن ينقض عليه رفاق الشاب الكامنين بالداخل، ليجد نفسه فريستهم عديمة الحيلة والَمَفَر.
هكذا نظر بيأس للممر الذي تلاشى عنده حلم المكانة والترف، ودار عائدًا أدراجه مجرجرًا ذيول خيبته.
بداخل الممر، كان الشاب متعلقا في ركن بين حائطين وسقف، تماما أعلى المدخل حيث الحائط عند طرف القوس يداريه.
أمهل نفسه بضع دقائق يضمن بها ابتعاد مطارده، حتى إذا ما أَمِن ابتعاده وثب ونفض ثيابه أخيرا، وأخرج حزمة الأوراق من صدره. لو لم تتفتت بعد كل هذا الكر والفر، فبالتأكيد محى العرق الكلام منها. لم ينمحِ تمامًا لحسن الحظ، لكن لو أبقاه هكذا لوقت أطول فسيحدث.

طفق يسير من طريق لشارع لدرب، لحارة، الوعورة تزداد، حتى وصل لبيت بعينه، صعد درجاته واتجه إلى الباب الذي يقصده دائما، وطرق بقبضته: ثلاثة، اثنتين، ثلاثة.
فتح الباب نصف فتحة فسارع بالدخول، ثم أنزل الريتاج الداخلي، لينغلق الباب خلفه.
شقة ضيقة، هي بالأحرى غرفة واحدة كبيرة، ودورة مياه. لا شيء فيها من أثاثٍ كما البيوت إلا عددٌ من كراسٍ خشبية لا فن فيها ولا ذوق، لكنها تفي بغرضها، فأربعة شباب ورجل، بالإضافة لصاحبنا، قبلوا الجلوس عليها بترحاب.
سلم عليهم الشاب فحيوه بفخر وامتنان لتكبده كل هذا العناء وإصراره على العودة إليهم بالغنيمة الثمينة.
رفع الورق بفرح فانطلقت الهتافات والتصفير والتصفيق، إلى أن أشار أحدهم أن ينتبهوا لصوتهم فسكتوا جميعًا.

***

عادت رِناد لقصرها، حيث وجدت السائس عند البوابة مترقبًا متلهفًا، فإذا ما دلفت البوابة، وجدته يشير لها بهبوط العربة فورًا، فنفذت وقد خالت السبب الذي حمله على ذلك..هذا التوتر عليه لا يحمل سوى معنىً واحدًا.
دخلت المنزل، من بوابته الرئيسية هذه المرة، لتجد ما توقعته تماما، ها هو ذا، رجلها الأول والأخير، في بِذلته البنية المنمقة، أمامه رجال بنفس زيه، العسكري هذا.
صوته العالي، نظرته الحادة، وجهه المحتقن..رؤوسهم المطأطأة، استسلامهم أمامه، أحدهم لا يقاطع أو يعترض.. هذا المشهد المتكرر كثيرًا هذه الآونة.
لاحظها فبتر صياحه وأشار لها أن تخرج الآن، خرجت من نفس الباب الذي دخلته أمامه، ثم دخلت من باب جانبي، باب يطل على الحظيرة.

استترت بحائط قبل الردهة مباشرة، ومدت أذنها بعيدا حيث كان الحديث، فالتقطت لها بضع عبارات بدت متفرقة لم تستطع تجميعها لتشكل معنىً مفهوما؛ عمال منجم ما مضربون، يطالبون بالعمل في (تشكيل المعادن)، من أدراهم بهذه الأشياء، هناك متسللون..
"لم تقفين هكذا، آنسة رناد؟"
نظرت لنجية التي لم تشعر بها رغم وجودها جوارها تمامًا، تحمل صينية عليها عدد من أكواب الشاي وعلبة سكر وملعقة صغيرة.
أشارت بسبابتها أمام أسنان جزت عاليها بسافلها، وربتت على يديها "لا تهتمي، لا تخبريه فقط"
ثم سارت مبتعدة، والخادمة دَهِشة، أمالت شفتها بغير فهم، وتابعت تقدمها نحو الردهة.

309 ب.م.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن