الجزء الأول و الأخير

62 5 5
                                    

استيقظت ديما الساعة الرابعة فجرا بتوقيت لندن، احست بالغرابة لأنها لأول مرة تستيقظ في هذه الساعة، دخلت الحمام لتفيق و تتوضأ لصلاة الفجر، بعد الصلاة، تأكدت أنها لم تنسي اي شئ، أحضرت السبرتاية اللتي أعطاها والدها لها، لم تشرب القهوة مثلما يفعل الأجانب من حولها، فقط لتستخدم السبرتاية، الرعب يملؤها، لم تحب الإستيقاظ ساعتها، فأجواء البيت مرعبة، مازالت تعتقد أن الأشباح تتواجد بين الساعة الثالثة و الرابعة فجرا، لم تحضر القهوة كما تحضرها امها، لم تحضرها بحرص، بتأني أو بمزاج عال، فقط تشاهد القهوة أثناء التفافها علي شكل دائرة بإستمرار، فنست رعبها و خوفها، كادت القهوة أن تفور، أطفأت النار، صبت القهوة، ارتشفت رشفة من الفنجان ليحترق لسانها من شدة السخونة، انتظرت حوالي خمس دقائق لترتشف ثانية، مذاق مقرف، رمت القهوة في الحوض، اخذت السبرتاية معها في حقيبة من الحقائب ثم تجهزت، دقت الساعة الخامسة، لم تعد الأجواء مرعبة، قبل الرحيل، جائتها مكالمة من صديقتها كريمة.
ديما : الو
كريمة : الو، ازيك ؟
ديما : أنا تمام ازيك ؟
كريمة : تمام، وصلتي ولا لسه ؟
ديما : وصلت ؟ انا لسه بالبيت
كريمة : وه وه وه! جهزتي طيب ؟!
ديما : يب، نازلة حالا
اخذت تتأمل البيت بكل تفاصيله أثناء المكالمة، كأنها تراه لأول مرة، تريد أن تبقي، تريد أيضا أن تذهب لبلدها اللتي لم تذهب إليها منذ سنوات.
كريمة : الوو، ديما انتي معايا ؟
ديما : يب يب، سوري سرحت شوية
خرجت من البيت ثم اقفلت الباب بالمفتاح.
كريمة : كل سنة و انتي طيبة
ديما : حبيبتي و انتي طيبة و بخير يارب
كريمة : احساسك ايه تجاه التلاتين ؟
ديما : والله مشاعر مختلطة، حاسة سن التلاتين ممكن يبقي بداية جديدة لحياتي، في نفس الوقت حساني قلقانة جدا و متوترة من كوني ثلاثينية
كريمة : احلي تلاتينية
ديما : حبيبتي حبيبتي
كريمة : شكلي عطلتك
ديما : ماتقوليش كده، مفيش عطلة
كريمة : اوكي، هقفل بقي عشان تبقي براحتك
ديما : اوكي باي
كريمة : باي
دقت الخامسة و النصف بعد دقائق عديدة، ذهبت لتشتري بعض الطعام حتي يأتي المعاد، لأنها لم تتناول إفطارها، تناولته، دقت الساعة السادسة، حان الوقت، ركبت الطائرة، ثم جلست، تفكر في ماذا سوف تفعل في خمس ساعات و نصف، وضعت سمعاتها في أذنيها ثم فعلت وضع تشغيل الأغاني، حتي اول ثلاث ساعات، حتي جائتها رسالة من مديرها في العمل علي البريد الإلكتروني، توترت و استغربت، نصت الرسالة علي التالي :
  ديما أود أن اخبرك بشئ مهم، انتي لن تكوني جزء من الشركة بعد الأن
استغربت ديما، صدمت، احست بالذعر الشديد، دار بينهما هذا الحوار علي البريد.
ديما : عذرا، ماذا يعني ذلك بظبط ؟!
المدير : يعني انكي مطردة من الشركة يا ديما
ديما : و لكن لماذا ؟! هل قصرت في عملي ؟! الم اكن عند حسن ظن سيادتك ؟! الم اكن جيدة بالدرجة الكافية ؟! هل فعلت اي شئ خطأ ؟! هل أسأت التصرف في يوم ما ؟!
المدير : ديما، اهدأي، انتي مطردة لأن هناك عمالة زائدة علي الشركة، و انتي من الموظفين المختارين لتقليل العمالة، انتي لم تقصري و لم تخطأي، هل فهمتي ؟!
ديما : أهل هذا بسبب الإجازة ؟! يمكنني الرجوع لإنجلترا، لا اريد إجازة، حقيقي
المدير : لا حاجة للرجوع بسبب هذا، انتي مطرودة من العمل، الا تفهمين ؟! انتي مطرودة ولا حاجة لكي معنا
ديما : لا حاجة لي ؟! الم احسن في عملي ؟!
لا رد، صدمت ديما مما قيل، لم تستوعب، احست أن حياتها انقلبت رأسا علي عقب، إنهالت الدموع من عينيها، هذا كان بمثابة طرد رسمي لها من انجلترا، فالسبب الوحيد اللذي جعلها تبقي هو عملها، فهي خسرت أصدقائها الإنجليز، خسرت خطيبها الإنجليزي اللتي كادت تتزوجه و تعيش معه في انجلترا للأبد، خسرت وظيفتها اللتي اكسبتها الآلافات، احست أن انجلترا جرحتها، استمرت الدموع في النزول واحدة تلو الأخري، كل دمعة فيهم تحمل قدر كبير من الحزن، يجلس بجانبها رجل وسيم، يبدو في منتصف ثلاثيناته، اشقر، النمش متناثر علي وجهه كما تتناثر النجوم في سماء الليل المظلمة، عيناه زرقاء كالمحيط و لديه شارب كثيف، سألها : "هل انتي بخير ؟!" فيجري بينهم هذا الحوار :
لا
ماذا يجري ؟! ماذا حدث ؟!
لقد خسرت وظيفتي للتو
نظراته مليئة بخيبة الأمل.
أنا آسف، انا حقا اسف
شكرا لك
لا مشكلة
أعطاها منديل لتمسح دموعها.
شكرا لك جزيلا
مسحت دموعها، لكنها لم تستطع الكف عن البكاء.
اشعر بكي، هل تريدين اي مساعدة ؟
لا، شكرا لك، أو نعم، لا اعلم، أنا آسفة
لا تتأسفي، أنا أتفهم أن مشاعركي غير مفهومة بالنسبة لك في هذه اللحظة، فهذه كانت صدمة بالنسبة لك
ابتسمت ابتسامة خفيفة ثم قالت :
شكرا لتفهمك هذا، هذا مقدر جدا، حقيقي
لا تشكريني، بالمناسبة أشعر بالرضا لأنكي ابتسمتي، هذا يعني أنه ما زال هناك امل في أن تشعري بتحسن... لديك ابتسامة جميلة حقا
ابتسما هم الإثنان، ابتسامته مليئة بالأمل، بينما ابتسمت هي في خجل شديد، احمرت وجنتيها أكثر، ردت شاكرة اياه.
هذه ليست مجاملة
احتضنها محاولا اطمئنانها.
لا بأس في أن تبكي، لا بأس في أن تشعري انك لست بخير، لا بأس في أن تأخذي وقتك في الحزن، لكن تذكري، عندما تقرري انكي لن تحزني، لا تحزني علي هذا الأمر مرة أخري، الا تريدين شيئا مني ؟! اي شئ ؟!
لا، شكرا جزيلا لك و شكرا علي كلامك
لا شكر علي واجب، عامة هذا رقمي لو اردتي اي شئ، أنا اوليڤر
و أنا ديما
تشرفت بمعرفتك، ديما
و أنا ايضا، اوليڤر
اتشعرين بتحسن ؟!
قليلا، بفضلك، لكني مازلت اريد البكاء
ابكي، فقط ابكي
لم تتردد، قضت الساعتين التاليتين في البكاء حتي غفت، بينما هي غارقة في النوم، ايقظها اوليڤر قائلا لها أنهم قد وصلوا القاهرة، تفاجئت، تركيزها قليل، تحاول أن تفيق، لكي تصل لبيتها!
اتحتاجين مساعدة ؟!
لا لا، شكرا
متأكدة ؟!
نعم، نعم، متشكرة لك جدا يا اوليڤر، لن انسي لك ذلك المعروف
تبسم اوليڤر، تبسمت هي أيضا، سلم عليها، لتحتضنه، ثم ذهب كل منهم في طريقه، احست بالرضا لأنها تعرفت علي شخص لطيف و مساعد مثل اوليڤر، لكن مازالت تشعر بالحزن و اليأس، لم تصدق فعلا انها قد وصلت لموطنها، احست بالإنتماء، الموسيقي المصرية ترن في عقلها قبل اذنيها، أغمضت عيناها، اخذت نفس عميق، احست أنها تري الحياة بشكل مختلف، متحمسة جدا لرؤية اهلها و اصدقائها، طلبت اوبر ليوصلها للبيت، واصلت بكائها، حتي وصلت للبيت! تأملت العمارة لبرهات، غير مصدقة ما تراه، ثم طلعت، ابتسمت امها في وجهها ابتسامة تكاد تصل لأذنيها قائلة :
حيابك، حيابك! و انا أقول البيت مضلم كده ليه ؟!
ابتسمت ابنتها ابتسامة خفيفة، تعانقا، لتكمل ديما بكاء في حضن امها، بحرقة.
أنيسة : عارفة عارفة، دي دموع الفرح
قالتها بكل ثقة، اومأت ديما رأسها بأن لا، فاستغربت.
أنيسة : ويش بك يا ابنتي ؟! بتعيطي ليه كده ؟! ايه اللي حصل ؟! احكيلي حبيبتي
ضمت ابنتها بقوة، كلها اذان صاغية، اخذت ديما بعض الأنفس، ثم حكت لأمها كل شئ، كل ما شعرت به، مسحت أنيسة دموع ابنتها برفق و حنان، متمنية أن يزول كل ما يؤلمها.
أنيسة : انتي مش نحس و ليكي لازمة، هذا قضاء و قدر، عموما لا داعي للقلق، شوية حنق و هيروحوا لحالهم، متقلقيش من شئ طول ما امك معك
قالتها بإبتسامة محاولة طمأنة ابنتها، ليدخل رجل قائلا لها :
كل سنة و القمر طيب، مش قادر اصدق انك كبرتي و هيبقي عندك تلاتين سنة
قالها بإبتسامة خفيفة.
ديما : بابا!
ركضت نحوه لتعانقه، بادلها العناق، لاحظ ملامح ابنته الحزينة، فسألها إن كانت بخير ام لا، لتجيبه أنها لم تكن بخير، استفسر عن السبب، اجابته أنيسة.
عبد الشكور : خيرها في غيرها، مفيش اي حاجة في الدنيا دي تستاهل زعلك
قالها مبتسما، محاولا التهوين عليها، تبسمت هي الأخري.
عبد الشكور : مسيرك هتتعودي، و بعدين أنا عارفك كويس و عارف انك بتتكيفي بسرعة مع أي وضع جديد، انتي بس بتحبي تعملي شوية دراما كده
ضحكت ديما قائلة : هو صح، بس أنا دلوقتي مش بعمل دراما، انا بجد حاسة اني زعلانة و مش عارفة هعمل ايه بجد
عبد الشكور : سبيها علي ربنا و هو هيدبرها و سبيها علينا احنا كمان
ديما : حاضر
قالتها مبتسمة.
عبد الشكور : ايوه كده، ايه الضحكة الجميلة دي ؟!
ديما : ربنا يخليك يا بابا، بجد شكرا علي كلامك الجميل ده
عبد الشكور : متشكرنيش يا هبلة
ابتسموا كلهم.
أنيسة : انتي مش راجعة انجلترا تاني، صح ؟!
ديما : ابدا
أنيسة : الحمد لله يارب، الحمد لله، وحشتيني اوي يا ديما
احتضنت ابنتها و بقوة، بادلتها الحضن.
عبد الشكور : حمد الله علي السلامة يا بنتي
ديما : الله يسلمك يا بابا
عبد الشكور : يااااه، لسه فاكر لما البت دي تمت عشر سنين، جاتلي و قالتلي : "يا بابا أنا مش قادرة اصدق اني تميت عشر سنين" و بعد عشر سنين كمان : "مش قادرة اصدق اني تميت عشرين سنة" و دلوقتي مش قادرة تصدقي انك هتمي التلاتين، كل سنة و انتي طيبة و منورة حياتنا، بجد فرحان إنك هتفضلي معانا علي طول و مش رايحة انجلترا تاني
ديما : أنا كمان فرحانة اني بقيت معاكوا والله
جائتها مكالمة من صديقتها رباب.
أنيسة : قادرة تردي ؟!
ديما : لا خالص، هرد بس عشان اطمنها عليا و خلاص
ديما : الو
رباب : الو ازيك ؟!
ديما : الحمد لله، ازيك ؟!
رباب : الحمد لله، كل سنة و انتي منورة و بخير يارب
ديما : و انتي بخير دايما، وحشتيني
رباب : انتي اكتر، عايزة اشوفك بقي قبل ما الأسبوع يخلص
ديما : لا ما أنا خلاص هقيم في القاهرة للأبد
رباب : طب و شغلك و كده ؟!
ديما : سبته
رباب : ايه ده ؟! ليه ؟!
ديما : طب بصي لما اشوفك هقولك
رباب : ايوه هشوفك امتي يعني ؟!
ديما : مش عارفة، محتاجة بس اهدي كده و ارتاح من السفر، متقلقيش، هتابع معك
رباب : طب انتي كويسة ؟!
ديما : يب، يب، بخير
رباب : اكيد ؟!
ديما : يب، مش عايزة حاجة ؟!
رباب : سلامتك يا حبيبتي، انتي مش عايزة حاجة ؟!
ديما : لا سلامتك، مع السلامة
أنهت المكلامة.
أنيسة : اوكي حبيبتي، جهزتلك فاضلتك، ادخلي غيري ملابسك و ريحيلك شوية و لو عوزتي اي حاجة اندهينا بس
ديما : اوكي ماما شكرا لك
أنيسة : لا تشكريني حبيبتي
ربطت علي كتفها بحنان، ثم أخذت حقائبها، دخلت الغرفة، تأملتها كأنها تراها لأول مرة، تشعر بالإندهاش بها، اللذي ادهشها اكثر، أن الغرفة لم يتغير فيها أي شئ حتي لو بسيط، الحوائط الزرقاء، السرير الكبير الواسع، ذات الوساداتان الريشيتان، المكتب و الدولاب الخشبيان، كتبها المفضلة، الزهرية المليئة بالورود ذات الرائحة الجميلة و النافذة اللتي تطل علي الشارع ذات الستارة الحرير وردية اللون، احست بالفرحة لرجوعها لغرفتها، قامت بتغيير ملابسها، ثم الإستلقاء علي سريرها، ما زال مريح، خبطت أنيسة علي الباب قائلة : أنا نسيت خالص انك محتاجة مساعدة في إفراغ الحقائب، خليني اساعدك
لترد عليها قائلة : اه ياريت يا ماما، عشان مكسلة، شكرا لك حقيقي
أنيسة : قولتلك لا تشكريني
قالت ضاحكة : حاضر، آسفة جدا
بدأت في تفريغ الحقائب و وضع كل شئ في مكانه، بينما ديما تتصفح الفيسبوك، رأت منشور لصديقتها ليان ينص علي التالي :
Layan Matar
الحمد لله اللذي تتم بنعمته الصالحات
اترقيت 🤍🤍
صعب عليها حالها، امتلأت عيناها بالدموع، التعليقات عبارة عن تهنيئات و دعوات، مليئة بالفرح و السعادة، باركت لها و الدموع تفر من عينيها عبر التعليقات ثم اقفلت هاتفها، واصلت بكائها، نظرت لها أنيسة في آسي، ثم خرجت من الغرفة، مر اليوم الحزين، لتستيقظ اليوم المقبل، واجدة أبويها في الغرفة حاملين تورتة عيد ميلاد مليئة بالشموع، مغنيين لها اغنية عيد الميلاد.
أنيسة : تمني امنية قبل إطفاء الشمع
تمنت ان تتحسن الأوضاع، أن تشفي من قلقها المرضي، أن ترزق بعمل جديد، أن تستقر في حياتها بشكل عام، أطفأت الشمع.
عبد الشكور : كل سنة و انتي طيبة يا نور عيني
ديما : و حضرتك طيب يا بابا، ربنا يخليكوا ليا يارب
أنيسة : و يخليكي لينا يارب و يفرح قلبك
لم تكن في احسن حال، لكن والديها خففوا عنها.
عبد الشكور : تعالي لسه في مفاجئات بره
ديما : مفاجئات ايه ؟!
لتخرج واجدة السفرة تملؤها الهدايا، احضر لها والدها مجلدات ميكي.
عبد الشكور : اتمني تكوني لسه بتحبيهم و بتقريهم
ديما : حتي لو بطلت، هقرأهم برضوا عشان منك، شكرا جدا بجد
عبد الشكور : تعيشي و تدوبي
أحضرت لها امها مج، كما كتبت لها بطاقة تهنئة.
ديما : شكرا اوي يا ماما
مفيش شكر ما بينا
ارسلت كل من صديقاتها رباب، ليان و اختها، كريمة ودنيا الهدايا، كما أرسلوا أيضا بطاقات التهنئة، كلمتهم لتشكرهم، استمتعت باليوم، مر اسبوع، تنزهت مع رباب، أخبرتها عن السبب اللذي جعلها تنفصل عن العمل، هونت عليها، احست أنها تشعر بالإنتماء في التجمع، المدينة اللتي تسكن فيها، صانعة الذكريات مع صديقتها، مر شهر،  بدأت في التكيف مع الوضع، بل نست أنها كانت تعمل من الأساس، تنزهت مع چيلان، أعطتها هديتها، صانعين الذكريات في المعادي، اللتي طالما شعرت بالإنتماء فيها، اعتاد عبد الشكور أن ينزه ابنته من فترة إلي اخري في المعادي منذ نعومة اظافرها، احست أنها جزء من المعادي، جزء من القاهرة بشكل عام، اخر مرة زارت اليمن، بلد امها في سن السابعة كانت، لم تتذكرها، لا تعتقد أنها ستشعر بالإنتماء هناك، زارت الصعيد، مقر ابيها، مرات عديدة منذ صغرها، تحب اهلها، تحب الأجواء هناك، لكن القاهرة ؟ لطالما القاهرة مكانها المفرح، أما انجلترا، تركت فيها اثر سلبي، احتمال  ان يزول، احتمال لا، لكن القاهرة داوت الجرح، مرت الشهور، اخيرا رأت اصدقائها، ليان، دنيا، كريمة و هچرا، ركبوا مركب علي نهر النيل، أكلوا الترمس، بينما يشاهدون البحر و برج القاهرة، لطالما اعتقدت أن هناك قروش ستبتلعها من النهر، لكن تلاشي هذا الإعتقاد مع الكبر، أيضا تشعر بالخوف حيال البرج، مع انها صنعت ذكريات رائعة فيه، ايام الثانوية، لكن عندما سمعت عن هذا الشاب اللذي انتحر من فوقه، قاذفا نفسه، شعرت بالذعر، فمن الممكن أن هذا البرج أن يكون السبب في موت ملايين الناس، ربما كل الناس، مثل الجسر الذهبي في انجلترا، لكن القاهرة لم تكن مثل انجلترا بالنسبة لها، تري لو أن القاهرة لها برج، لكانت برج الجوزاء، فالقاهرة فيها اماكن جميلة، اماكن خلابة، يود أن يزورها الجميع، بل هي اجمل من أماكن كثيرة في لندن مثل التجمع و المقطم و وسط البلد، اماكن اخري سيئة و بشعة، اماكن لا تطاق، اماكن ملوثة مثل السيدة زينب و دار السلام، هذا لم يقلل من شعورها بالإطمئنان أو الإنتماء، مفتقدة القاهرة حتي و هي في قلبها، اخذت تتذكر اللحظات اللتي افرحتها فيها القاهرة، تذكرت عندما ذهبت جبل المقطم، أرادت دوما ان تتزحلق من عليه، استمر كل من أبويها بالرفض، حتي لا يصيبها مكروه، اعتادوا السهر حتي مطلع الفجر، ثم الذهاب للمنزل، في يوم من الأيام، جاءت ببالها فكرة بخارج الصندوق، بما أنها تشعر بالإنتماء في القاهرة، خاصة في التجمع، المعادي، نهر النيل، المقطم و وسط البلد، لم لا تبحث عن عمل في مكان منهم ؟! لكنها ترددت، ماذا لو لم تقبل في أي مكان منهم ؟! غيرت رأيها، هي تريد أن تعمل مجددا، لكنها لا تريد أن تبذل مجهود و تبحث، منتظرة القدر أن يرسل لها عمل جديد، حاولت أن لا تتردد، نجحت في هذا، اخذت تبحث في جميع أنحاء هذه الأماكن، لكنها لم تجد، بحثت كثيرا، لم تجد، قررت أن ترتاح قليلا من البحث، حتي اتصلت بها هچرا تخبرها عن عمل يناسبها.
ديما : مش لازم شغل في الحسابات، اي شغل و خلاص
هچرا : عامة هو يخص الحسابات، شركة محترمة في مدينة نصر، قولتلهم عليكي، الinterview بكره الساعة تسعة الصبح، بالتوفيق
تمنت لو كان العمل في احدي أماكنها المفضلة، علي الأقل في المفرحة، الا و هي القاهرة، شكرتها، شعرت بالإمتنان لها، أخبرت والداها، فرحوا كثيرا، تمنوا لها التوفيق، ذهبت للمقابلة، اخيرا، حصلت علي الوظيفة، مرت الشهور، تعرفت علي أناس طيبون، العمل لم يقارن بالعمل السابق في انجلترا، القاهرة احتوتها، احتضنتها في عز حزنها، القاهرة اشعرتها بالونس اللذي حرمت منه لثمان سنوات، شاعرة بالإمتنان، الإقامة في القاهرة شفتها من قلقها المرضي، إن كان هناك شئ واحد فقط جميل في هذا العالم، فهذا الشئ هو القاهرة، بأماكنها و اهلها و الإنتماء للجميل.

الإنتماء للجميل Where stories live. Discover now