كانت خالتي تنتظر قدومي عندما تعُد الخبز وإذا تأخرتُ قليلا" كانت تُرسِل لي بعضا"من قطع الرغيف الى بيتنا , وكانت خدمة التوصيل مجانية , مع عددٍ قليلٍ من القُبلات , ولكم بِكَمٍ هائلٍ من الحُب ,
لقد أستمرت هذه الحال لعشرة أعوام 2006-2016
لم أروِ قصة الأخلاص بعد ..؟.
كُنا غالبا" ما نُغادِر حيَّنا صيفا" لغرض السياحة , وفي أحدى ليلي صيف 2016 غادرناحَيَّنا إلا أن هذه الرحلة كانت ( رحلة اللاعودة ), وإن عُدنا فلسنا سوى زائرٍ عابرٍ , أو ضيفٍ لا يريد الأزعاج ...
بكت خالتي أخلاص وبعض من نساء محلتنا لهذا الحدث المؤلم الموجع , لا أستطيع نسيان عيون الأطفال وهي تودعنا , ولا أنسى ملامح وجوههم الحزينة ,لِمَن ستُهدي خالة أخلاص خبزها بعد اليوم ؟
بعد رحيلنا بأسبوع , أعدت خالة أخلاص التنور وصنعت الخبز , ووضعت بعضا" من الأرغفة على جنب , لاحظت أبنتها ذلك , وسألت البنتُ أُمها مُتعجبة :
- ماما هاي ليش خليتي الخبز علة صفحة ؟
- ماما هذا لمصطفى , هسة يجي ياخذ' .
- ماما هاي شنو فقدتي الذاكرة! بيت مصطفى صار ألهم أسبوع من شالوا .
- فتذكرت خالة أخلاص ذلك اليوم الأليم , وكان ذلك اليوم أشدُّ حٌزنا" من اليوم الذي فقدت فيه إنسانا" عزيزا" ....
- بكت خالتي بكاءا" شديدا" دخلت على أثره موسوعة ( غينس ) للأرقام القياسية كأصدقِ بىُكاءٍ شهدته البشرية ,ذلك الطفل الصغير الذي ربته على يدها وغذته من خُبزها حتى صارَ شابا"
يافعا" .. لن يأكل خبزها من جديد , وقطع الرغيف هذه تُفضل العفن ,تُفضل أن تُرمى في حاوية القُمامة على أن يأكلها غير مصطفى , فلقد خُلقَت وصُنِعَت من أجل تكون له وحده ,
كلما أعدت خالتي التنور لتصنع الخبز , وضعت بعضا" من قطع الرغيف على جنب ,وعندما ينهكها الأنتظار , تتذكر بأن مصطفى لم يعُد متوفرا" بعدَ الآن .. ومن ثُمَ تبكي كبُكاءِ وطنٍ أُستشهِدَ كُلُ أبنائه , تبكي كبُكاءِ العراق على شُهدائه , وتتوقف عن البُكاء حينما يكون عدد دموعها مُساويا" لعدد شُهداءِ أبناءِ وطنِها ..
وعند كُلِ بُكاء تُحطم الرقم القياسي للبكاءِ السابق - فعدد دموعِها كعدد شُهداءِوطنها دوما" في تزايد , وتدخل موسوعة ( غينس من جديد كأصدق بُكاء , حتى إن( غينس ) قد خرجَ من قبره وأنشأَ جزء خاص بخالة ( إخلاص ) داخل الموسوعة أسماه( موسوعة غينس لبكاء خالة أخلاص ) ومن ثم عادَ الى قبره ...
قررت (خالة أخلاص ) أن تعتزل مسيرتها الحافلة في عالم الخبز بعد مشوارٍ حافلٍ بالأنجازاتِ والنتألق أجملهُ وأفضلهُ كانَ في الأعوام العشر الأخيرة في نادي ( دور المعهد ) , وقد كان سبب الأعنزال الذي أفصحت عنه الخبَّازة المحترفة الشهيرة لوسائل الأعلام السرية هو وفاءً ل ( مصطفى ) الراحل من ساحة الخبز المستديرة , لكن هذا لا يعني أنها أعتزلت البكاء .. كلا فلا تزال مُستمرة ً في تحطيم الأرقام القياسية ...
أنت تقرأ
خبز خالة اخلاص(مرة الحجي)
Short Storyمن الولد الصغير الذي لايزال طفل خالته: مصطفى غازي جليل الى القلب الحنون والركن الدافئ , أمي وصديقة طفولتي , سعادتي وبطلي الخارق , تاريخي وسجل ذكرياتي , أملي وروحي , بدايتي ونهايتي , خالتي المفضلة , العزيزة الغالية , المخلصة الوفية , ...