خيال "مرّت سنة" القسم ٥

1.2K 61 0
                                    

تمرّ عدّة أيّام، تأتي ليمان وثائق من المحامي يتوجب عليه توقيعها قبل جلسة المحكمة و التّي لايزال أمامها سوى أربع أيّام فقط، لا يوقعّ ، فقط يضعها أمامه و يحدّق بها، يفكّر، لا يستطيع عقله أن يستوعب، هل من أحد يوقّع على قرار موته؟، هل ينتهي كلّ شيئ بهذه البساطة؟ بمجرّد جرّة قلم على ورقة تنتهي الحياة ولكن هل سينتهي معها الحب الذي يحرق قلبه؟ لم يتوقّع قطّ أنّها ستقدم على هذه الخطوة، لم يتوقّع أنّها من الممكن أن تكرهه مهما قال لسانها، يشعر بالإحباط و العجز الشّديدين، ثمّ يتذكّر عينيها آخر مرّة رآها فيها، تنظران له وكأنّهما لا تصدّقان بعد أنّه من الممكن أن يكون قاتلا، و كأنّهما تتوسّلان إليه أن لا يتخلّى عن صاحبتهما، أن لا يستسلم و يتنازل عن هذا الحب لمشيئة القدر اللّعين.
يقف من على كرسيّه و يبدأ المشي ذهابا و إيّابا و كأنّه لا يتّسع في مكانه ،يرفع يده ليفتح ازرار قميصه العليا، يمشي نحو الشّرفة يفتح الباب و يرفع السّتار عنه ليدخل بعض الهواء و كأنّه لم يعد يوجد هواء ليتنفّسه في الغرفة، إنّه يسحب الهواء بصعوبة، يغمض عينيه ثمّ يحاول اخذ شهيق و زفير عميقين، تمرّ في ذاكرته تلك الأوقات حين كان يساعدها على التّنفس عندما قُطع نفسها، ولكن الآن أصبحت هي من قطع نفسه.
في الطّرف الموازي، سحر، التيّ لم تكن أفضل حال منه
لا تعرف إن كانت قد إتّخذت القرار الصّائب أم لا. في داخلها ضياع و إنقسام كبيران، لا تعلم هل تخاطب يمان الرّجل الذّي لم و لن يدخل قلبها غيره، الذّي إعتادت أن ترى الحبّ الشديد ينهال من نظرات عينيه، الرّجل الذّي ضحّى بحياته عدّة مرّات في سبيلها و سبيل يوسف والذّي تعلم انّه لن يتوانى عن ذلك إن تطلّب الامر مجددا، أم يمان رجل العصابات المتوحّش الذّي لم يكتفي بتعذيبها ، بل من أقدم على قتل أختها و حرم يوسف منها و بسببه توفّي والدها مقهورا، الرّجل الذي أباد عائلتها ثم كسر جناحيها و تركها وحيدة بدون سند ولا ملجإ تتخبّط في مواجهة تعرّجات الحياة.
كلّ هذه الأشياء تتابع الدّوران داخل عقلها يوميّا دون انقطاع، حتّى العمل لم يعد يستطيع أن ينسيها، يجب أن تفرغ ما بداخلها لأحد ما أو ستصاب بالجنون حتما. بينما هي كذلك، تدخل الأم نادرة المطعم، تنظر سحر إليها وكأنّ اللّه أرسلها لتشيرها إلى الطرّيق الصّحيح. تجلسان بعد أن قدمت لها سحر كأسا من الشاّي، تسألها عن حالها و عن يوسف فتدرك من طريقة كلامها أنّها منهكة تماما.
، إنّه نفس الموضوع مجدّدا، تربّت على يدها ثم تقول "لم نتحدّث كأم و ابنتها منذ فترة، لقد أهملتك قليلا يا إبنتي لا تؤاخذيني فمرض أختي يشغل كل وقتي"
تضع سحر يدها الأخرى فوق يدها و تقول بإبتسامة طفيفة " لا عليك يا أمّي، أنا بخير" ..تتنهّد الأم نادرة قليلا ثم تقول " أنت إبنتي يا سحر، لا حاجة لك لطمأنتي فأنا أعرفك جيّدا، لقد حصل شيئ ولكن ماهو؟" لم تكد أن تنتهي من كلامها إلا و انفجرت سحر بالبكاء الشّديد الذّي كانت تكتمه داخلها لأيّام ثم قالت بصوت مرتعش" لقد رفعت قضيّة طلاق" صدمت الأمّ نادرة بهذا الخبر فهي أيضا لم تكن تتوقّع ان تقدم سحر على هكذا قرار، إقتربت منها و إحتضنتها بقوّة و كأنّ جميع من فقدتهم إجتمعوا لحضنها، استقرّت حالتها و هدأت قليلا ثم رفعت رأسها و قالت " لن أبقي على أيّ رابط بيننا، أريده أن يخرج من حياتي نهائيّا، إن كنت لا استطيع أن استعمل القانون لمحاسبته فسأستعمله لابعاده عنّا"  نظرت لها أمّها مليّا ثم قالت " إن كنت تريدينه أن يخرج من حياتك إلى الابد وعازمة على ذلك، فما حالتك هذه؟" ..تشعر سحر بضغف كبير ، تقول وفي صوتها يأس وعلى خدّيها دموع غزيرة " لا أعلم، لا أعلم ماذا يجدر بي أن أفعل او كيف يجدر بي أن أشعر لا أعلم شيئا، لقد تعبت يا أمّي ، تعبت من محاربتي لنفسي و محاربتي له لا قوّة لي للمتابعة بعد الأن" تهدّئ الأم نادرة من روعها و تحاول مواساتها وهي توقن في داخلها بشكل ما أنّ يمان بريئ تماما من جريمة قتل كوثر.
يحل المساء، يمان لا يزال على مكتبه، يدخل نديم ليحضر له بعض الوثائق لتوقيعها، وفي وسط كلامه يتذكرّ ان يخبر يمان بأنهما مدعوّان لحفل عيد ميلاد شقيقة شريكه بعد ثلاث أيام، لم يكن نديم قد أتمم كلامه حين قاطعه يمان و هو منهمك وسط الملفاّت و الوثائق بقوله "لا أهتم" فهم نديم أنّه قد قرر عدم الذهاب و سيتوجّب عليه إقناعه بذلك فقال " يمان أعلم أنّك لا تحب التجمّعات و أدرك انّك تتفادى مقابلته و تريد التخلّص منه ولكن حظورك سيأثّر على مكانة الشّركة، الحفل سيعجّ بالصّحافة و الشخصيات المهمة و عدم حظورك سيجعلهم يشككّون و ينشرون عن عدم اتّفاق الشرّكاء بينما نحن نسعى لرفع مكانتنا في السوق اكثر، فكّر انّك ستذهب لعشاء عمل لاغير".
رفع يمان رأسه من الوثائق و نظر امامه ليفكّر مليّا ثم  وافق. صمت كلاهما قليلا ثم لاحظ نديم الوثائق التي أحضرها المحامي على حالها فوق المكتب فسأله بتردد "هل ستوقّع؟" جمع يمان الملفّات التّي أمامه و وجهها نحوه ثم سأله إن كان يوجد شيئ آخر، فهم نديم أنّه لا يريد التحدّث في الموضوع، جمع ملفّاته و غادر قائلا " نلتقي غدا في الشّركة اذا".
يحل صباح اليوم الموالي، أنّه الخميس، ثلاث أيّام تفصلهم عن موعد الجلسة، تجلس سحر على مائدة الفطور تنتظر يوسف و تغوص في التّفكير مجددا، تستغرب هدوئه ،فقد توقّعت افتعاله المشاكل نظرا لرّدة فعله في آخر مرّة، ترفع هاتفها و تتصل بالمحامي لتتأكّد ان كان قد سلّمه الوثائق يخبرها محاميها أنّه قد مضت بضع أيّام على تسليمه الوثائق و لكن ما من ردّ فمحاميته تقول أنّه لم يمضي بعد، يحتد صوتها و تقف من على كرسيّها قائلة "ماذا يعني هذا؟" وكأنّها لا تعرف طبعه، ثم تتابع " إفعل ما بوسعك لضمان ذلك التّوقيع هل تفهمني؟ اريد أن أتطلّق بجلسة واحدة فقط" في الأثناء كان يوسف واقفا يسمع كلام خالته و يشاهد غضبها و لا يفهم عمره الصّغير معنى كلمة الطّلاق بعد.
تلاحظ سحر وجود يوسف، تتمالك نفسها، تبتسم و تقول "عزيزي لم تقف هناك هيّا تعال أنظر لقد أعددت كل ما تحبّه على الفطور" يسحب كرسيّه و يجلس ليتناول طعامه وهو يعلم أنّه إن سألها فلن تجيبه و ستتحجج بشيئ آخر كالعادة. بينما هما كذلك رنّ هاتفها و اذ به صديقها يتّصل، ترد على المكالمة فيخبرها أنّه امام المطعم ولكنّه مغلق،حينها فقط تتفطّن أنّها قد تأخّرت عن العمل.
تخرج نحو المطعم مصطحبة يوسف معها فلا مدرسة له  اليوم، تلقي التحيّة على صديقها، تفتح الباب و تدخل  بينما يُجلس هو يوسف في حضنه و يحادثه قليلا، يغتنم يوسف الفرصة و يسأله عن معنى كلمة الطّلاق، فيجيبه وهو مستغرب من سؤال طفل صغير عن معنى هكذا كلمة " الطلاق يعني إنفصال شخصين متزوّجين، أي فسخ زواجهما فيعودان لما كانا عليه قبل أن يتزوّجا، أي غير مرتبطين، ولكن لما تسأل عن معنى هذه الكلمة أيّها الصّغير؟ اين سمعتها؟" عمّ الحزن وجهه الصّغير و احنى رأسه ثم قال بصوت خافت " سمعت خالتي صباحا تقول على الهاتف أريد أن اتطلّق بجلسة واحدة"
ما إن اكمل يوسف كلامه حتّى سيطرت علامات ذّهول مزجت بإبتسامة ماكرة على وجهه، ولكنّه عمل على إخفاء علمه بالموضوع عن سحر. يتّجه نحوها إلى المطبخ فتخاطبه وهيّ تقطّع بعض الخضار " لا تؤاخذني لم أهتم بك ولكن علي إتمام عملي قبل أن يبدأ الزبائن بالقدوم" يبتسم و يجيبها " لا عليك فأنا لست بغريب" يصمت قليلا لتفهم انّه يريد ان يقول لها شيئا فتسبقه " هل من خطب؟" يجيبها بتردد " في الواقع أريد مساعدتك في امر ما.. عيد ميلاد أختي بعد غد و لكنّها لا تتفق مع احد فيما يخصّ الطّعام و الحلويّات فهي تريد شيئا متقنا للحفل، و إقترحتْ أن تقومي أنت بحل هذه المسألة فقد إنبهرت بالحلوى التّي أخذتها من هنا مؤخّرا" حاولت سحر أن تبلغه برفضها بطريقة لطيفة بسبب إنشغالها بأعمال المطعم لكنّه أصر عليها قائلا " إن كان الأمر يضايقك فالنعتبره عرض عمل ..كأنّها طلبيّة من زبون عادي ما رأيك؟ أرجو ان تفكّري مليّا .. تعلمين، لدي أخت وحيدة و لا أستطيع رفض طلب لها فقد أخبرتها أنني سأحدّثك بالموضوع" قال ذلك و هو لا يعلم مدى حساسيّة موضوع الأخوّة لديها، تقف قليلا و هي تنظر لوجهه الذي إرتسمت عليه علامات الرّجاء ثم قالت مبتسمة " حسنا سأقوم بذلك بكل سرور" ثم عادت لتقطيع خضارها ..نتفّس الصّعداء لموافقتها ولكنّ الهدف من ذلك ليست الحلويّات، إنّما بقاءها معه لمدّة نهاية الأسبوع فأضاف " رائع، حتّى اسطنبول ستبتهج لقدومك" ما إن سمعت كلمة اسطنبول حتى انزلق السّكين من على الخضار و أصاب إصبعها، ركض نحوها محاولا لفّه بالمنديل الذي على الطاّولة، نظرت له و سألت " أيّ اسطنبول؟ ألن أحظّر ما في القائمة هنا؟" أمعن النظر فيها ثم أجاب " لا أظنّ ذلك لأنّ احضار أطعمة من عنتاب إلى إسطنبول في هذا الطّقس لن يكون فكرة ناجحة بالنّظر إلى المسافة الطّويلة" أزاحت عينيها عنه و هي تفكّر فيما ستقول فسبقها متعمّدا إستفزازها "هل لازلت تهابين تلك المدينة؟" نظرت له بحدّة فأكمل " لا شيئ يدعو للخوف سآخذك و أرجعك بنفسي إطمئنّي" تغيّرت نظرتها إلى الرّضا ولكنّها لاتزال تشعر بإضطراب، لم يخطر لها ابدا أنّها ستلاقي نصفها الآخر في حفل عيد الميلاد ذاك.
انهت طبخ الطّعام ثّم اوصت الناّدل بما سيفعله و طلبت منه إغلاق المطعم بعد انتهاءه كل يوم و تسليم مفاتيحه للأم نادرة التّي ستترك يوسف بأمانتها.
تعود إلى منزلها مساءا، تجهّز حقيبة من بعض الملابس اليوميّة و تخلد إلى النّوم لا علم لها بأنّها ستكون نجمة الحفل التّي ستبهر الجميع، فهي تظنّ الأمر عبارة عن الذّهاب لإعداد بعض المأكولات و العودة بسلام.
حتّى وقت متأخّر من اللّيل، يستمرّ يمان بالجلوس على مكتبه مانحا كل تفكيره للعمل، لا يفكّر في الإنقطاع حتّى لا تنقضّ عليه أفكاره و إحتمالاته مجددا، ولكنّ الملفّ اللّعين قبالته يشتت تركيزه كلّما رفع رأسه وهذا ما يزيد من حدّة غضبه، يمسكه بتوتّر ثم يفتح الدّرج،  يرمي بالملف داخله و يغلقه بعنف. يسند ظهره إلى الوراء محاولا التّخلّص من توتّره ولكن ما من جدوى، يجب أن تصافح نسائم اللّيل الباردة وجهه لعلّه يستفيق قليلا.
يخرج إلى شرفة غرفة النّوم فتعرض عليه ذاكرته الاوقات التيّ قضاّياها معا في تلك الشّرفة، النظرات و الأحضان، يفتح عينيه هائجا ثمّ يترك المكان و ينزل إلى شرفة غرفة المعيشه، يقف بجانب ازهار ضياء و يتذكّر تلك الزّهرة التّي زرعاها معا و الّتيّ اقتلعها لاحقا بسبب غيرته عليها، يغضب مجددا، يهمّ بالمغادرة، يلتفت فيتذكّر يوم سقوطها بين ذراعيه حين كانت تقفز مع يوسف قبل ان يتنافسو في لعب الدّحل و تفوز هي، يزداد غضبه و ألمه، يدخل غرفة المعيشة، تنهال عليه ذكريات يوم زواجهما، يهرول نحو المطبخ ليشرب كأس ماء وكأنّ أحد ما يلحق به، يأتي بباله يوم طبخهم للبيض المقلي معا، يتراجع للوراء ثم يلقي بنفسه نحو الحديقة الأماميّة، يتذكّر يوم موافقتها على عرض زواجه امام هدف السّهام.. يتمالك نفسه لوهلة ثم يصرخ بأعلى صوته نحو السّماء و كأنّه يلعن القدر و يواسي حرقة قلبه.
ثمّ يقول لاهثا وهو على حافّة الجنون " اّنّها هنا ،لازالت هنا، كلّ ذرّة منها في هذا القصر، في عقلي، في داخلي ..الّلعنة " إنّها ليلة عصيبة أخرى تواجهه، المكان الوحيد الذّي سيريحه هو جانب أخيه، يدخل غرفة ضياء ليجده يغطّ في نوم عميق، يمسك يده و يجلس على حافة السرير و قد تخلّص من غضبه لمجرّد تفكيره أنّه قد أنقذ حياة أخيه بتضحيته، ولكنّ الدّموع لاتنفكّ تختفي من عينيه.
تشرق شمس اليوم الموالي التّي تضع حدّا لإشتياق اللّيل، لم يغف له جفن كالعادة، يعود لغرفته يغيّر ثيابه و يخرج نحو الشّركة دون أن يأكل شيئا، أساسا مائدة الطّعام في القصر لا توضع منذ ذهاب سحر، يقلق الجميع عليه فهو لا يأكل، لا ينام ، عصبي و يتكلّم قليلا، حتّى أنّه قد خسر الكثير من الوزن و ذبلت ملامحه.
أمّا سحر التيّ لم تستطع هي أيضا النّوم بسبب عدم إرتياحها، تودّع يوسف و الأمّ نادرة و تخرج رفقة صديقها نحو إسطنبول. يصلان بعد طول الطّريق، تنزل سحر من السيّارة لتتعرّف على المكان، إنّه قصر لا يقلّ فخامة عن قصر عائلة كرملي. يتوجّهان نحو الباب حيث تستقبلهما أخته، يلقيان التحيّة ثم يخاطبهما قائلا بلطافة " تعرفان بعضكما أساسا لا داعي للشكليّات" يبدو أن علاقة أخته بسحر ستكون جيّدة، فهي من النوّع الودود خصوصا بعد معرفتها بما يكنّه شقيقها من مشاعر لها، اصطحبتها إلى غرفتها لترتاح ، ثمّ تحدّثتا مطوّلا عن قائمة الأطعمة و الحلويّات الخاصّة بالحفل و توجّهتا إلى المطبخ حيث وجدت عدّة موظّفين لمساعدتها، شعرت سحر بالإطمئنان لوديّة الجميع و بدأت بالتحضيرات كما اتّفق عليه.
يحلّ المساء، تتّصل بأمّها نادرة لتطمئن على يوسف ثم تدخل سريرها بعد ابداء الجميع إعجابهم بما قدّمته من أطباق و حلويّات في غاية الجمال، خصوصا صديقها الذّي كانت علامات الإعجاب طاغية على وجهه.
يأتي اليوم الموعود، يتوزّع الموظّفون لترتيب الحديقة  الخلفيّة فالحفل سيقام خارجا بجانب المسبح نظرا لدفئ الجو ،يبدأ الضّيوف  بالوصول،  في حين تكمل سحر لمساتها الأخيرة على الكعكة بنجاح، تسترق النّظر من نافذة المطبخ قليلا، الحديقة تعجّ بأناس في غاية الأناقة، ادركت أنّ ملابسها ليست مناسبة لهكذا أجواء فقرّرت ملازمة غرفتها إلى حين إنتهاء الحفل و مغادرة الضّيوف ولكنّها ما إن فتحت باب الغرفة حتّى وجدت صاحبة الحفل تقف عند السّرير الذّي وضع فوقه فستان أزرق و علبة حذاء على ما تعتقد، إقتربت منها سحر و التساؤل بادٍ على وجهها ولكن قبل أن تتكلّم سبقتها بالقول " عزيزتي سحر اعلم انّني فاجأتك و لكنّي أريد ردّ القليل من معروفك بهذا الفستان الذّي فكّرت أنّه لن يليق بغيرك ..  أطلب منك الإنضمام لنا هذه الّليلة كونك ضيفتنا و أرجو ألاّ تردّي طلبي"
في الأثناء يتقدّم الحفل على احسن حال، بدأت الخدمة و أنبهر الجميع بما تذوّقوه، أمّا يمان فقد وصل منذ دقائق، يقف مع شريكه الذّي لا يحتمل النّظر في وجهه ومعهما نديم و بعض رجال الأعمال بعيدا عن  الجميع، تنزل صاحبة الحفل و تختلط بالحضور، تلاحظ يمان من بعيد بجانب أخيها ترتسم ابتسامة اعجاب على وجهها و تتوجّه نحوه بقصد الترحيب،
بينما هم كذلك تدخل سحر بثوبها الازرق النّاعم ، تدرك انّها ابهرت كلّ من حولها فأعين الجميع عليها كلّما تقدّمت أكثر ما عدا يمان فهو يقف عكس المدخل، وأمامه شريكه الذّي بعد أنبهاره بالجمال الذّي رآه أمامه طلب اذن المجموعة ومشى مسافة خطوتين وراء شريكه ليقف امام سحر و لم يجد الكلمات ليعبّر عن مدى انبهاره و إعجابه بعد، بينما الجميع كذلك، يقترب احد معارفه ليقول بصوت مسموع " من هذه الفتاة الجميلة، كم تليقان ببعضكما، هل هي حبيبتك؟" تلتفت مجموعة الواقفين من بينهم اخته و نديم و آخرهم يمان، ليصعق بالمشهد الذّي يوجد أمامه، انّها هي ذاتها سحر، زوجته التّي توشك أن تخوض حرب طلاق ضدّه بعد يومين، هي تقف أمامه بمظهر فاتن و يتعرّف عليها الجميع على أنّها حبيبة شريكه.
لم يتصنّم جسده فقط، بل أعمت الغيرة عينيه هذه المرّة أكثر من أيّ مرّة و شعر بنبضات قلبه تتسارع كأنّه سيخرج من مكانه بينما بدأ الغضب يسيطر عليه شيئا فشيئا حتّى وصل أعلاه، في خضم كل هذا سحر في جهة الأخرى  مصدومة، تشعر بإنقطاع نفسها بمجرّد رؤيته امامها، لا تعلم سبب حضوره او ما يربطه بصاحبة الحفل و لا تريد حتّى التفكير في الاحتمالات ، و لكنّها ادركت أنّها قد فتحت حربا أخرى ضدّ نفسها لتوّ و كأنّ حربها معه لا تكفيها.
(يتبع...).







مسلسل الأمانة الموسم ٢ - خيال "مرّت سنة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن