لا أدري كم مضى من الوقت وأنا واقف دون حراك أمام الباب الخشبي، لا أرغب في فتحه، لماذا قد يفتح الإنسان أبواب الجحيم بيده؟ لأنه لا يملك مكانًا آخر يذهب إليه، لا جنة على هذه الأرض.
استجمعت قواي ووضعت المفتاح في القفل ثم أدرته، صدر صوت مكتوم، دفعت الباب ودلفتُ إلى الشقة الفارغة إلا من أثاث أصم.هدوء شديد وبرد خالٍ من الحياة استقبلاني، الوحدة.
زحفت نحو الأريكة المهترئة لألقي بجسدي الثقيل فوقها، تحسستْ أناملي النصف الآخر من الأريكة، أثر رأسها كما هو على الوسائد، اعتادت دومًا التمدد هنا والاستناد إلى تلك الوسائد لتقرأ كتبها في استرخاء، حتى بقع القهوة السوداء التي تحبها مازالت حية.
أخذت معدتي تقرقر، حتى وإن لم تمتلك شهية غريزة البقاء تجبرك على البحث عن الطعام. وجدت بعض الخبز اليابس في أحد أرفف المطبخ، وجبن تفوح منه رائحة قوية في قعر الثلاجة، حمدت الله على تلك اللقيمات الصغيرة لولاها ما وجدت شيئًا لأكله.
ابتلعت ما يسد الجوع ثم حللت ضيفًا على فراشنا، فتحت الدرج المجاور للفراش شرائط الأدوية لم تغادره منذ عدة أيام -لا أذكر عددها-، إن كان ابتلاع الطعام شاقًا، كيف أجبر حلقي على ابتلاع هذه الأدوية؟ هكذا تركتها ليوم آخر دون أن تُلمس.
تجولت بكفي فوق موضع جسدها أبحث عن أي دفء باقٍ منها وأغمضت عيني، تزورني فأرى الأحلام تغادرني فتتحول إلى كوابيس، استيقظتُ فزعًا على صوت طرق الباب، لم أتلقى أي زيارة من سنوات، استجبت للطرق الذي بدا مألوفًا بطريقة غريبة، عندما فتحت الباب شعرت كأنني أُصبت بالصاعقة، لقد عادتْ!
غمرتني السعادة عندما رأيتها أمامي من جديد، لقد عادت إليّ!
احتضنتها، شعرتُ دفء جسدها، بكيتُ، اعتذرتُ، توسلتُ معفرتها لم أكن أقصد ذلك الكلام القاسي الذي قلته لها آخر مرة تحدثنا بها.
سامحتني، وعادت لتبقى معي، قالت إنها تفهمت غضبي وأنني لم أكن أعني ما قلته، تحولت أيامي إلى بهجة وعادت إليّ الحياة.
في يوم ما رن الهاتف، كانت مشغولة بتحضير الطعام فأجبتُ أنا، جاء الصوت من خلف السماعة:
_أستاذ سليم، لقد مضت ستة أشهر منذ جئت إلى عيادة الطبيب، اتصلت كي أذكر حضرتك بضرورة حجز موعد قريب والاستمرار على الأدوية التي وصِفت لك حتى لا تعود لك الأوهام، رجاءًا لا تقلل من خطورة حالتك، سجلك يشير إلى مرحلة متأخرة من الفصام.
وضعت السماعة مكانها، لم أجب، ولم أذهب للطبيب، ولم أتعاطى الأدوية، أخاف إن فعلت ترحلي وتتركيني.