المقدمة

57 2 0
                                    

يترنح كالسكارى في شوارع لندن، يشعر بأن كل تلك الشوارع الواسعة تكاد تخنقه.
جاء الى هذه المدينة الكبيرة من أجل سبب واحد، ومن أجل شخص واحد.
من أجل الشخص الذي استحوذ على نبضاته، أفكاره، وثقته التي لم يستطع الكثيرين انتزاعها. لكن ولسخرية القدر، هذا الشخص لم يكن جديراً بأيهم.
يتخبط هنا وهناك بغير هدى، لا يعلم الى أين يذهب، بل لم يفكر بذلك أصلاً، يشعر أن حياته كلها لم تعد ذات أهمية.

لقد كان يتجنب دائما ان يقع في الحب، ليس بسبب خوفه من المجتمع -كونه مثلي-، ولا لأي سبب من تلك الأسباب المحفوظة؛ فهو لم يكن بهذه المبالاة في الواقع، بل كان يشعر بأنه كجوهرة نفيسة لا أحد يستحق حبه -معتز بنفسه حد الغرور-، ولكن تلاشت كل تلك الافكار، وتناسى غروره حين قابل ذاك الشخص، أنيق، وجذاب.
شعر بالانجذاب ناحية هذا الوسيم، الذي يخطف الأنظار في أي مكان يدخله.

كيف كنت بهذا الغباء؟!، كيف صدقت شخصاً مثله بهذه" البساطة؟!."
يلوم نفسه على سذاجته.

عيناه الذاهلتان تترجمان صدمته، دموعه تترجم حزنه، عجزه، وانكساره.
عقله يسترجع ماحدث في كل دقيقة، يحاول إثباته، أو ربما إنكاره!.

تسلل إلى عقله صوت بارد، مشبعاً بسخرية متوارية خلف أسف زائف.

' أنا آسف لما سأقوله، لكن ماجرى بيننا كان مجرد لعبة، وقد سئمت منها. لذا لا داعي لأن نستمر في هذه الدراما...لقد انتهينا.'

أخذ يهز رأسه بعنف، وكأنه يطرد عن عقله الأفكار التي افترشته باستمتاع مقيت.

لم يشعر بأنه قد تخطى الرصيف بالفعل، وأصبح في منتصف الطريق السريع، ولم يُلْقِ بالاً لتلك الزمجرات العنيفة التي تنم عن خطر
سطع ضوء مزعج أيقظ عقله الغارق في بحيرة أفكاره الضحلة، استجابت عيناه لذاك الضوء سلباً فانغلقت بعنف.
في جزء من الثانية تلاحقت ذكريات الأعوام لتثقل عقله الواهن، ثم اختفت وكأنها لم تكن، استسلم للظلمة التي جرفته برحابة صدر إثر ارتطامه بالأرض الصلبة، هذا ماكان يحتاجه على كل حال...الفراغ ولا شيء آخر.

تسلل عبر الفراغ صوت مألوف، يبدو ضعيفاً مثقلاً بالحب والحسرة.

"أنا أحبك، لا تتركني."

حاول أن يتبع مصدر الصوت، أن يعرف لمن يعود، لكن الفراغ بدا له أكثر أماناً لذا فضل الاستسلام من جديد.

ملعون تماما ، مفتون به حتى الرقبة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن