مقطوعة موسيقية

1.3K 157 115
                                    

كانت تتحدث برفقة صديقاتها و تضحك بمرح و عندما قررت ان تجول بنظرها صدمتها الساعة الكبيرة و التي كانت تشير للساعة العاشرة و النصف ... فصرخت بعدم تصديق : لا !! المحاضرة !!

إلتفتت صديقاتها ناحيتها باستغراب ثم قالت احداهن : لا تذهبي !!

اجابتها باعتراض : بل سأذهب و اجد عذراً يقبله الاستاذ ... هذا افضل من الاستسلام !!

ثم ودعتهن و ركضت بأقصى سرعة و هي تحمل دفترها الكبير بين احضانها و خصال شعرها الطويلة تتطاير ... صعدت السلالم تلو الاخرى حتى وصلت للأعلى و قد غلبها التعب فاتكأت على الجدار و اخذت تلتقط انفاسها بتعب لكن صوت عزف لطيف على آلة البيانو اثار حاسة سمعها ...

عندها هدأت انفاسها و حركت نظرها بين أبواب القاعات و هي تدقق السمع لتعرف مصدر الصوت حتى قادتها الالحان لتلك القاعة الصغيرة ... كان الباب مغلقاً و به زجاج رمادي يحوي النقوش بحيث يجعل رؤية من بداخل الغرفة امر مستحيل ... لكنها رأت شبح لظهر ذلك الشاب الذي يعزف بهدوء و يتحرك بخفة ليصل لتلك المفاتيح الخاصة بالبيانو ...

لم ترد الدخول حتى لا تفسد هذه المقطوعة الجميلة ... فقررت أن تقف هنا و تنصت للّحن اللطيف ... اتكأت على الباب بظهرها و اخذت تستمع لتلك النغمات التي حملتها لعالم آخر ... باتت الذكريات المتنوعة و الخيالات السحرية تتمثل أمامها ...

أخذت تلك الموسيقى الرقيقة تتسلل لأعماقها و تلامس مشاعرها برقة ... باتت مشاعر الاعجاب بالمعزوفة تتعمق بداخلها و تزداد حتى بدأت تشعر بالاعجاب تجاه عازفها ... اصبحت تحاول تخيل ملامحه ...

كيف يبدو صاحب هذه الألحان الرقيقة ؟؟

هل يملك ملامح رقيقة مثل ألحانه ؟؟

كيف تبدو تسريحة شعره ؟؟

هل عيناه واسعتان ام صغيرتان ؟؟

كيف هي حواجبه ؟؟ انفه ؟؟ تركيبة وجهه ؟؟

ماذا عن قامته ... هل هو طويل ؟؟ هل هو عريض ؟؟

حسنا كيف هي شخصيته ؟؟ ... هل هو شخص طيب القلب ؟؟ أم انه شخص بارد المشاعر ؟؟

هل يملك حبيبة ... أم انه لم يجد واحدة بعد ؟؟

في اي مرحلة يدرس ؟؟ و في أي قسم ؟؟

بدت مهارته في العزف واضحة فأخذت تتساءل إن كان يشارك في مسابقات العزف ... ظلت تستمع للعزف و تطرح الأسئلة المختلفة التي باتت بلا اجوبة ...

و لأن فضولها تجاه هذا العازف الماهر قد اخذ يزداد قررت التعرف إليه ... حتى تجد لتساؤلاتها أجوبة مناسبة ... تناقضت مشاعرها ... ففضولها جعلها تتمنى أن تنتهي الموسيقى بسرعة ... و في الوقت ذاته تمنت أن تطول المعزوفة فقد كانت مستمتعة بتلك الألحان التي سلبت كل تفكيرها و انستها ما حولها ... و دون شعور منها انتهت المعزوفة ...

عندها فتحت عينيها بهدوء و تحركت مبتعدة عن الباب ثم وقفت بجواره بانتظار خروج صاحب الألحان العذبة ... زادت من قوة احتضانها لذلك الدفتر الطويل و الحماسة تشتعل بداخلها ... اصبحت تشعر بتلك الثواني الصغيرة و هي تمر و كأنها ساعات ...

اخذ الوقت يمر و لم يخرج احد ... عندها قررت الدخول فطرقت الباب عدة طرقات لكن احداً لمْ يجب ... عندها فتحت الباب لترى آلة البيانو السوداء الضخمة ترتكز متوسطة القاعة الصغيرة ...

و امامها تلك النافذة المفتوحة و على جانبيها ستائر بيضاء تتطاير بخفة مع نسمات الهواء القادمة من الخارج ... اخذت تجول ببصرها باحثة عن ذلك الأمير المجهول لكنها لم تجد اثراً لأحد ... في النهاية استقر بصرها على باب آخر مفتوح مقابل للباب الذي دخلت منه ...

سارت ناحيته بهدوء حتى وقفت على اعتابه فرأت عدد من الطلاب يتحركون في الممر ... كان كل واحد منهم يسير بانفراد و يبتعد عنها بخفة ... ادركت انه من الصعب عليها أن تميزه من بينهم ... فربما يكون قد ابتعد مسبقاً ... إلتفتت لآلة البيانو فوجدت سترة على الكرسي المقابل لها ... ابتسمت برقة ثم خرجت مغلقة الباب خلفها ...

احيانا قد يمر بحياتنا اناس يسعدوننا للحظات و يشغلون تفكيرنا ... لكنهم يغادرون قبل ان نعرف "من هم " ...

النهاية ...

🎉 لقد انتهيت من قراءة مقطوعة موسيقية 🎉
مقطوعة موسيقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن