الفصل الخامس عشر

140 6 0
                                    

الفصل الخامس عشر

(15)
عنوان الفصل: ربما يمكنك أن تفرح!

الفرحة هو شعور مجنون...
الفرحة هو شعور لم يسبق له أن سيطر عليها... الفرحة هو شعور كثير عليها، لكنها بدون أن تفهم وجدت نفسها فَرِحَة!
تحاول بجد أن تركز بعملها المستعجل، و قد قررت أن تحصل على شهر عسل اجازة بعد زواجها...
في الحقيقة لم يعجب الأمر لا فاضل و لا حتى فاتن...
كانت المرأة تشك بتعجل زواجها... أخبرتها أنها بحاجة لبعض الوقت كي تعلم على أي أرض تقف...
لكن الفتاة ردت ببساطة أنه لا تقف على أي أرض بل هي تحلق في سماء عشقها الحمقاء...
حاولت مرة أخرى أن تجذبها لأرض الواقع...
لكن الفتاة رفضت بكل قوتها أن تعود لهنالك...
مادامت مع زيادها الخاص فهي بخير...
و بتوتر شديد وجدت نفسها تتصل بماجدة دون علم الفتاة...
ربما تستطيع المرأة أن تتصرف...
لكن ما حصلت عليه هو صمت طويل... ثم أخيرا أخبرتها بهدوء بارد...
"سأكون في الوطن قبل حفل الزفاف!"
الكلام شيء و الفعل شيء...
فالثورات التي تشتعل في كل مكان أثرت على حركة الطيران...
و وجدت المرأة أن العودة ستأخذ أكثر مما ظنت من الوقت...
كل شيء يتعاضد مع هذا الزياد...
كل شيء!
تنهدت مرغمة و هي تقشر اصبع موز باعتبار أنه فاكهة لا تزيد وزنها المتفجر مع الحمل...
لقد قضي الأمر...
مصير الفتاة بات غامضا بيد الكريم لا يمكن التنبؤ به...
فقط تتمنى بكل قوتها أن يخب زياد جانب أفكارها المظلم و يكون رجلا يستحقها!
***
ثوب حذاء جهاز... ثياب الكثير من الثياب...
أشياء كثيرة تحاج عمرا لكي تتمها...
فما بالك بأسبوع واحد!
يدها تشتد على الهاتف بينما تسمع صوته المتعب من الصياح على العمال...
"لا... لا أريده أزرق... إنه لون ذكوري جدا!"
تنفس بعمق، قبل أن يرد بهدوء مشدود، لو كان ذلك ممكنا...
"و هل تظنين أنني سأعيش في غرفة مطلية باللون الوردي!"
تنفست برفق و هي تدلف لمحل أعجبتها الثياب المعروضة على واجهته...
"و ما به اللون الوردي؟... رغم أنه ليس لوني المفضل، لكنه لون جميل".
"دعــــــــــــــد..."
كاد أن يستمع لصوت بسمتها لمناداته باسمها ممطوطا مع ضيقه...
"حسنا... ما رأيك بالأخضر... أخضر زرعي ليس بداكن... يتماوج مع خوخي لطيف... و لون ذهبي..."
"بربك أنت لا تصفين ثوبا أعجبك!"
ابتسمت بشقاوة و هي ترفع الثوب من العلاقة لتتجه لغرفة القياس...
"امممممم يمكنك أن تقول ذلك... لحظة زياد..."
و بثوان كانت تتأمل نفسها بالثوب أمام المرآة...
مالت يمينا و يسارا و هي تحدق بثوب السهرة الفاتح، فخلافا لكل من يؤمن أن ثياب السهرة يجب أن تكون داكنة هي وجدت نفسها تهوى الثياب الفاتحة...
سمعت صوت رنين الهاتف لتتذكر أنها نسيت حتى أن تقفله!
"آسفة فقط..."
"صفيه!!"
"ما هو؟؟"
تساءلت بغباء ليرد بسرعة...
"الثوب صفيه!"
ابتلعت ريقها بتوتر، قبل أن تقف أمام المرآة تحدق بنفسها...
"لونه خوخي فاتح... طويل... ضيق على طول الجسم ليتسع مع الركبة... له حزام عريض ذهبي..."
"و من أعلى..."
ابتلعت ريقها و همسه المشتعل يشعلها و كأنه يراها...
"من أعلى؟؟ بلا أكمام... يثبته رباطين ذهبيين رقيقين... الياقة واسعة بطبقة خارجية لطيفة... و........"
"هذا الثوب لن ترتديه إلا لي... هل تفهمين دعد؟؟... هذا الثوب سأستمتع و أنا .........."
"زياد..."
همست بخجل، و هي تخشى أن تحدق بالمرآة فتجده بانعكاسها!
"يا عيون زياد... اخ دعد، كم هو طويل هذا الأسبوع!"
"زياد!"
"لقد قتلت زياد... و ذبحته يا مجرمة..."
"زيـ....."
"لو قلت زياد مرة أخرى ستجدينني عندك في المحل..."
تلفتت حولها بذعر لتسمع ضحكته الشقية عبر الهاتف...
"مجنونة... و رب الكعبة أنت امرأة مجنونة!"
عضت على شفتها، قبل أن تطلق سراح كلماتها...
"لم أكن كذلك... قبل أن ألقيك لم أكن كذلك... فقط معك...
فقط حبي لك يحررني، لأكون مجنونة!"
واقف هناك في وسط غرفته... يصرخ بالعمال المعاتيه الذين لا يفعلون ما يطلبونه منه... لكنه تجمد مرة واحدة مع كلماتها، و قد تجمد الكل مع تجمده، قبل أن يستفيق على صوت سعلة ما... أغلق عينيه لثانية قبل أن يصرخ بأمر ما ليعود كل لعمله... هز رأسه من جنونه
"بل أنا المجنون... بكل تأكيد أنا المجنون!"
***
ساكنة في جلستها جواره و قد أرجع الكرسي لآخر مدى بما يتلائم مع حالة قدمها المشعورة...
هو أيضا ساكن، لكنه سكون البراكين قبل الانفجار...
سكون الطبيعة قبل احتكاك الرياح لتكون الإعصار...
هو ساكن...
لكنه لم يعد قادر على أن يكون كذلك!
"ما الذي كان يريده النظيف منك؟؟"
رفعت عينين حائرتين إليه و كل ملامحها شاحبة بمشاعر داخلها...
جنون تصاعد ليكتسح كل مشاعره؛ جعله يصرح بسخرية محتقرة...
"ماذا؟؟ ألم تأخذي جرعتك اليوم؟؟ ألهذا لست قادرة حتى على فتح فاك!"
عادت عيناها تحيد للطريق بينما يدها السليمة تحاول أن تعدل رباط يدها المصابة...
كل هذا و هي لا ترد عليه...
كيف ترد عليه و ذهنها هناك... عند محادثة قصيرة... ليست محادثة بل إعلام لها بشيء ما...
"هل تعلمين من زار زياد بالأمس؟؟"
سألها أخيرا ردا على سؤالها النافذ الصبر من نظراته المزعزعة لكل ثباتها...
هزت رأسها بلا، و هي تعلم أنه سؤال مقدمة لما سيشرحه...
أخرج سيجارة و أشعلها بهدوء قبل أن يتابع، و عيناه تحيد لأي شيء سواها...
"والد مصعب... طليقك."
أولا جمدت تماما و هي تستمع للخبر... فقط سكنت كل حواسها... حتى نفسها بات يخرج بهدوء دون أي صوت...
ثم حدث شرخ قاسي داخلها...
و بعدها بدأت تتكسر...
كل شيء تكسر...
كل شيء تداخل...
و تلك الشظايا تجمعت لتصنع صورة مشوهة لرجل فخيم...
رجل قوي...
رجل كان دوما ينظر لها باحتقار أنها لم تكن قادرة على احتواء فساد ابنه...
"لو كان فيك أي خير... لو كان فيك أي شيء جيد، لما توجه ابني للشراب... لكنك لست حتى امرأة لتكون رادعا بسيطا لهذا الإدمان!"
"هل تذكرتيه؟؟"
عادت ترفع عيون في وجه شاحب برغم جلوسها طوال العصر في الشمس...
"و هل نسيته لأذكره..."
همسها المنكوب أشعل به كل غرائز الحماية... الحماية من أي شيء قد يطولها،
قبل أن يهز رأسه من غباءه... هذه هي لين...
كلها مثيرة لإشعال فتيل الشعور بالذنب...
تعيش على اشعار الآخرين بهذا الشعور...
ناسية أنها هي أيضا تحمل جزءا كبيرا من الذنب لما حل بها!
"جيد... لقد جاء ليزور زياد... يرجوه أن يخبره أين ولده الوحيد..."
ثم مال عبر المائدة ناحيتها قبل أن يكمل...
"أين مصعب!"
القشعريرة التي مرت على كل جسدها كانت واضحة و كأنها هرة رأت ما أفزعها...
صوت أنفاسها ملأ المكان و هي تكره الإسم...
تكره الذكرى...
بل تكره أنه مازال موجود ليذكر!
"ألا تريدين أن تسألي ما شأن زياد به؟؟"
لم يرحم نظراتها الملتاعة... لم يرحم نظراتها التي تتسرب من عيون زرق تجمعت فيها دموع بائسة...
لا لم يجد فيه أي قوة ليرحم...
فقط يريدها أن تعرف ما يبذله زياد كجندي في الظل لأجلها...
"زياد المسؤول عن كل ما يحدث له."
"و ما الذي يحدث له؟؟"
اللعنة على هذا الهمس الضعيف!
شد على نواجده بقوة يمنع نفسه من أن يفرج عن الرحمة فيه لتنالها...
و بدلا من ذلك تراجع بجلسته ببرود و هو ينفث أخر نفس في سيجارته...
"ألا تتابعين مواقع التواصل... ألا تعلمين ما حدث له... لن أخبرك... فقط اعلمي أن زياد فعل ذلك و سيفعل أكثر لأجل أن يأخذ بثأر ما فعله بك... كل أذية نلتيها منه سينالها هو مضاعفة... و صدقيني... فقط لأجلك فعلها..."
انقطع حديثهما مع صوت رنين قصير...
لفترة ظلت متجمدة و هي لا تريد أن تعرف أي شيء مما أخبرها به...
لكن الرنين ميزته...
رنين خاص به...
رنين أشعل بها خوفا مزج مع حيرتها بطريقة فريدة،
ليكتمل الخليط باللمسة النهائية عندما هب علاء واقفا بقوة بطريقة أفزعتها و كأنه قد قرأ الرسالة التي تخاف أن تفتحها...
ثم مال عبر المائدة مركزا نظراته عليها...
"ربما أنت نسيت ما هي العائلة... ربما لأنك عشت في نعمة لا تستحقيها ملكتيها بالاستحقاق... لكنني أختلف... زياد عائلتي الوحيدة... زياد أخي الوحيد... صديقي الوحيد...
لذلك أخبرك لين... بل أحذرك...
أحذرك ألا تكوني عدوتي... إن آذيته بأي طريقة... أي طريقة... عندها ربما سيكون ما فعلتيه كان الأفضل لو نجح..."
تراجعت برعب بينما هو يكمل بهمس خافت جمدها أكثر، و عيونه تطلق شراراتها ناحيتها...
"ألا تظنين أنني أعلم أنك كنت تريدين قتل نفسك؟؟...
تقفين في منتصف الطريق تنتظرين النقطة في منتصف سطرك...
نعم لين...
هذا حل مفيد... لأنه لو كان ما أشك به صحيحا فلن أرحمك...
أقسم أنني لن أفعل!"
و اعتدل مرة واحدة محرراً كلها منه، مستديراً للخارج دون أي اهتمام بها، بينما رعبها يتضاعف مرة واحدة و هي تقرأ نص الرسالة!
***
يده تهزها من كتفها على الرغم من قيادته المجنونة...
يخرجها من بؤرة ما من تلك البؤر التي تسرقها من عالمه الذي يجب أن يكون السيد وحده فيه...
حتى على أفكارها يجب أن يكون السيد!
رفعت عينين متعبتين إليه...
أخيرا خرجت حروف متعبة مثل صوتها...
"ما الذي تريده مهاب؟؟"
بعد أن أخنقك و أقبلك ثم أصفعك... أظن أنني أريد أن...
"ما الذي كان النظيف يقوله لك؟؟... لقد حذرتك لين..."
بسمة ساخرة ترتسم على شفتيها و هي تفكر... اليوم يوم التحذير العالمي!
لكنه ظن أن تلك السخرية منه هو... لذلك ابيضت مفاصله و هو يقبض بكل قوته على عجلة القيادة...
"أنا أحذرك لين... هذه آخر فرصة لك... و إلا أقسم أن..."
"أن ماذا؟؟"
خرج صوتها باردا قامعا كل مخاوفها... و كأنها شعرت ان هذا الرجل يستمد قوته عن طريق تغذيه على مخاوف الآخرين...
"أن ماذا مهاب؟؟ أن تفضحني؟؟ هل تعلم... لقد ذهب تأثير الحبوب قليلا..."
كان مشمئزا منها دون أن تعترف؛ أما أن تكلم و كأنه صديقها الذي يشاركها سرها القذر؛ جعله يوشك أن يصدم توك توك يمشي بمهل على طرف الطريق...
"لذلك يمكنني أن أفكر بشكل منطقي... اممممم... أنت تحترم دعد... رأيت ذلك بعينيك... و ماذا؟؟ هل ستفسد ليلة زفافها بأخي... توء توء توء... أنت لن تفعل عزيزي مهاب... لذلك دعنا من التحذيرات الواهية التي لا معنى لها، و دعني أنا أخبرك شيء ما مهاب..."
مالت عبر المسافة الضيقة على الرغم من معصمها الذي أعاقها...
"انا أريد أن أبدأ بداية نظيفة مهاب... أريد أن أنهي ماضيي القذر بكل ما فيه..."التقت عينه بعينها، و هي تكمل بذات البرود..." و من فيه!!"
هذه المرة الصمت كان مرعب... هادئ بطريقة لم تفهمها... هو يشعر بشيطانه الذي استراح خلال مرضها ينشط...
يخطط له...
يريه طريقا جديدا ليسيطر عليها...
بسمة متشفية ارتسمت على شفتيه و السيارة تكاد تتنفس براحة أنها أوصلتهم بأمان لشقته...
و دون كلام، فقد تشبع به، دار ناحيتها يحملها صاعدا بها للأعلى...
***
يكاد يبكي...
يكاد يجن كما في الأفلام القديمة أو القصص الكلاسيكية...
ينطلق صارخا بكل ما فيه في الشوارع...
يداري عينيه عن عيني زوجته التي كبرت كل الأعوام التي حاولت الجراحات التجميلية اخفائها...
يريد ابنه...
يريد مصعب...
الفيديوهات تعاد في ذهنه مرة أخرى...
يرى ما حرم على نفسه رؤيته...
ابنه على بلاط قذر متسخ...
يرجو -بكل ما يمكن للرجاء أن يكون- إبرة!...
يستجدي...
يبكي...
يصرخ...
و في ذهنه عادت تتكون صورة أخرى لفتاة جاءته،
تبكي...
تصرخ...
و تستجدي!
فتاة صغيرة خضراء، لا تعرف في الدنيا شيء...
و الكل تركها لابنه...
"لا يوجد لدي هنا سواك... هو ابنك... ساعدني... أرجوك ساعدني..."
لكنه نظر إليها ببرود قاسي...
نظراته لم تلن للدموع التي تقاطعت مع كدمات شوهت بشرة وجهها...
"انت لست حتى امرأة لتحتوي ابني... لذلك هو يلجئ إلى الشراب... لينسى كارثة زواجه بك... خيبة... كل ما حصل عليه منك هو خيبة..."
جذب يده التي حاولت أن تتشبث بها بيأس...
"أنا لا أستطيع أن أعود هناك... سيقتلني... بل كلهم سيقتلونني... أنت لا تعرف ما يحدث هناك... لا تعرف..."
همسها أشعل به خوفا ما... لكنه نحاه كله و هو يرى بنت الصانع التي وُعد ابنه بها من جدها...
وعد متبادل، مع صداقة كانت نشيطة...
وعد أُجبر على اتمامه مرغما، بعد فضيحة الصانع...
و أكثر شيء يكرهه في الدنيا كلها، أن يرغم على فعل شيء ما!
لذلك وجودها هنا، يغضبه...
يغضبه كثيرا!
"سيفعل بنا خيرا!"
قالها و هو يدفعها بقوة أسقطتها...
ببساطة هو لا يصدق ما تقوله عن ابنه...
لا يمكن أن يكون مدمنا للشراب...
ربما أوصلته مرة أو اثنتين للسكر... لكنه ليس مدمن...
و بكل صلف لم ينسى أن يأمر الخدم و هو يستدير عنها...
"لا أريد أن أرها مرة أخرى هنا... مفهوم!"
نعم مفهوم...
مفهوم جدا، كما هو مفهوم لقاؤه مع زياد...
كاد أن يركع على ركبتيه، لكي يعطيه خبرا عن ابنه...
شك...
كان شك...
لكنه تحول ليقين مع كلمة متشفية ألقاها في أذنه، في صدفة تعمد أن يلتقيه فيها...
و هنا علم...
تيقن...
"يجب أن تجده..."
خرج من بؤرة يأسه على صوتها...
"أين ذهب ولدي... يجب أن تجده.. فهمت؟؟... جده و إلا سأقتلك و أقتل نفسي و أحرق الدنيا... أريد ولدي كريم... أريده هل تفهم... هل تفهم..."
لم يجد فيه شيء يرد عليها...
لقد تذلل للصانع...
كاد أن يقبل قدميه ليخبره أين هو....
التشفي الذي كان في عينيه أكد له مخاوفه...
"ارحمني... ارحم كبرتي... ارحم سني... ارحم رجلا مكلوما و اعطه بقايا ولده لينعش فيه شيء ما... أو يدفنها بما يليق!"
لم يعبأ بأحد و هو يرد باشمئزاز و حقد و كراهية...
"و هل رحمتها؟؟... هل رحمت ضعفها..... هل رحمت انكسارها؟؟... هل رحمت براءتها و هي تعامل كعـ.... " لم يستطع أن يصف أخته بهذه الصفة...
فقط كراهية حارقة ظلت بارزة على ملامحه و هو يشير بطول يده...
"ما أريده منك هو أن تخرج... أخرج قبل أن أجعل العمال يطردوك... و صدقني إنهم يجيدون بعثرة كرامتك كلها في كل خطوة يجروك بها بالخارج!"
ارتجف بذل شعر أنه يستحقه لتقصيره بكل شيء...
تقصيره بتربية ابنه ليكون رجلا، و قد اكتشف أنه فعلا ظلم الفتاة...
تقصيره بأخذ حق المحتاج... الملهوف...
و أخيرا...
تقصيره بالاستجداء ليستعيد ولده!
***
لا تدري متى سينتهي...
متى سينتهي ما تعيش به... تحاول نسيان ما حصل لها مع مهاب و هي تبحث عن فضيحة مصعب كريم الصافي...
لم تتحمل سوى رؤية مقطعين من أول فيديو ثم أغلقته...
الفيديوهات لا شيء أمام ما حصل معها...
أمام ما رأته بعينها... بل ما عاشته بنفسها!
و قبل أن تتشبع الذكريات به، كان مهاب أقوى منه ليكتسح بأنامله الحدث...
نعم أنامله التي أشعلت شوقها كله...
شوقا لتشعر به و كأنها أنثى...
أنامل طويلة رقيقة قوية حازمة لطيفة مثيرة... أنامل تخلق نيرانا في كل مكان حطت عليه...
لا تدري كيف تولدت على شفتيها بسمة ساخرة...
كل شيء بينهما، ينتهي بالفراش...
كل شجار...
كل انفجار..
كل عتب...
لا يهم...
كل تلك الكلمات ترسم الخطوات إليه...
إلى الفراش!
رفعت أنامل يدها السليمة تحدق بها بشرود، و البسمة تتحول لضحكة ساخرة...
الكلمات نيران جارحة...
حارقة...
بينما اللمسات....
آه من اللمسات، و كأنها تستحي و هي تطبب نيران الفم بصمت!
يسأل بكل اهتمام إن كان آذى إصابتها...
لكنها ترد بأن تجذبه بيدها السليمة إليها...
ثم يحدث الانفجار في كلاهما...
الانفجار الذي يخبرها أن مصيرهما مربوط...
مربوط أكثر من كلماته التي خرجت بهدوء و هو ينظر لأعلى راقدا على ظهره...
"و هكذا حبيبتي لين، نحن سوياً في كل شيء... في كل شيء... ستأتين لي لأنك تريدينني... لأنك مقيدة برغبتك بي كما أنا مربوط لك... ستأتين لي... سيلتف حولك الكل... لكنهم سيكونون أطياف... أنا وحدي سأكون المرئي لك... أنا و فقط أنا!"
دمعة مجنونة تجرأت ان تزاحم ضحكاتها المجنونة...
دمعة تقر بصحة كلامه...
لا يحتاج لتهديد...
لا يحتاج لأوامر...
فقط هي التي تأت...
هي لا ترى سواه...
بل جسدها لا يعيش إلا معاه...
لا حبوب و لا خلافه...
"لين، لا أريد أن أهددك حلوتي... لا أريد أن أخبرك مثلاً أن إدمانك للحبوب وحده فضيحة... لا لين... لا يصح بي ذلك... أنا لا أبتزك... تزوجنا برضاك حلوتي...
تزوجنا لأنك تريدينني... لأنك تعيشين فقط معي..."
أغلقت عينيها بكره و هي تحقد على قدرته على قراءتها، بينما مال ليستند على معصمه و هو يتأمل سكونها...
السكون الذي صار يفهمه...
مرغما خرجت منه و نيران حاجته تشتعل مرة أخرى...
"لا تعلمين كم اكرهك!"
لم تشعر بالصدمة مع الكلمة الجارحة...
"أكرهك كثيرا لين...
أكره أن ما قلته هو ما بداخلي... ما أشعر به... ما أراه... لم يعد هنالك امرأة بعدك... أكرهك لين لأنك عكس ما آمنت به في أي شيء...
و هل تعلمين ماذا...
أنا أرتويك... أشبع فقط منك... منك وحدك لين... ألا يذكرك هذا بنفسك!"
صامتة... دوما صامتة...
قاتلة بصمت...
لا تريد تأثيرات خارجية لتزيد من قوة وجودها...
لا... هي ببساطة تكون الحدث كله بفعلها...
رمشت عينها قبل أن تميل ناحيته... العيون الجامدة قررت أن تتحدث...
"جيد أن تكرهني مهاب... جيد جدا... لكنك أؤكد لك حبيبي... ستكرهني أكثر و أكثر... و كل يوم يلي هذا اليوم ستكرهني أكثر... هل تعلم لماذا مهاب؟؟"
صمت جاوبها و كأنه يقتص منها... لكنها اكلمت دون ان تلتفت لصمته...
"لأنني قررت أن أتوب عنك... أتوب عن إدمانك... يكفيني إدمان واحد بحياتي!"
"هل تحبين ذلك؟؟ هل تحبين أن تشعري بأنك حقيرة، بل تجاهري بها قبل أن يقولها لك أي شخص آخر... هل تظنين بذلك أنني لن أخبرك كم أحتقرك... كم أشمئز منك... تتفاخرين بإدمانك الغبي...
بضعفك على أن تكوني إنسان سوي يجابه مشاكل حياته بقوة... تتفاخرين بأنك..........."
قاطعته بصرخة قوية و كأنها سأمت اشمئزازه منها رغم استعماله لجسدها...
"و ماذا تعرف أنت عن الانسان السوي... ماذا تعرف عن الانسان الجيد... ماذا تعرف؟؟... لا شيء... عشت على جانب الطريق النظيف فلم تتلطخ بشيء... بينما أنا... أنا..."
تقطعت أنفاسها للحظات و هي تحاول جاهدة أن تخرج حروفها، ليستعيد عقلها السيطرة... لحظات قصيرة بعدها خرج صوتها مسيطرا بقوة...
"ساعدني لأنهض..."
عقد حاجبيه دون فهم، لتعود تأمره بطريقة استفزته للمرة المائة!
"ساعدني لنهض... لأعود لبيتي بعدما انتهينا هنا... أليس هذا هو زواجنا... أنت لا تعرف عن ما حدث لي... و أنا لا أريد... و كما قلت زواجنا مبني على شيء واحد... سيكون نوع جديد من الزواج... زواج الحاجة!"
و ببرودة شديدة أكلمت...
"وقتما احتاجك... وقتما تحتاجني... فقط... لا شيء آخر... لا تسأل و لن أفعل... و الآن... هل من الممكن أن تساعدني لأعود لبيتي!"
عادت للواقع مع ضوضاء و فوضى صوتية لتسمع صوتا كرهته أيما كراهية...
كريم الصافي هنا!
***
"لا إله إلا الله... ألا يمكنكم أن تفعلوا شيئا واحدا لعينا بدوني!"
صرخ بمحسن الذي يحاول أن يكلمه بأدب بينما هو مشغول بالصراخ على العمال لينجزوا طقم النوم الذي اختاره هو و دعد...
"يوجد أشياء لا تتم إلا معك!"
للمرة الثانية تجمد مرة واحدة و هو يستمع لصوتها في مكان يستحيل أن تحضره امرأة... و بالذات هذه المرأة!
"دعد!"
اشارت لنفسها في ثيابها الانيقة بطريقة مسرحية...
"بشحمها و لحمها!"
حاول، بكل قوته أن لا يرسم بسمة حمقاء على ملامحه كي لا يبدأ العمال الحديث، و بدلا من ذلك، مد يده يجذبها لمكتبه و هي تكاد تركض من جره لها من أعلى ذراعها... و لم يطلق سراحها إلا في المكتب الخالي لحسن الحظ... طبعا لم ينسى أن يستدير قبل ذلك للعمال بنظرة من نظراته المرعبة مع أمر صارم...
"سأعود بعد لحظات لأجد كل أتم عمله و إلا ستطير بعض الرقاب هنا!"
"مرحبا دعد... أي رياح ألقت بك في مصنعي المتواضع..."
كانت تفرك ذراعها المتألم و هي تنظر له بعتب، فمط شفتيه بطريقة طببتها قليلا...
"لم أقصد... فقط خفت على فكوك العمال أن تسقط على الأرض و هم يحدقون بك مشدوهين... للامانة عزيزتي لم يدخل المصنع منذ أن أنشئ امرأة... و ليس أي امرأة.... لقد جعلت الانتظار لحدوث ذلك قيما!"
نصف بسمة استطاع الحصول عليها مع محاملته الذكية، ليستند على حافة مكتبه و كأنه يخاف أن يضبط قريبا منها من قبل أي عامل...
"و الآن بحق خبريني... ما الذي شرفني بزيارتك؟؟"
ضمت شفتيها بقوة ألا تمنحه البسمة التي يشتهي...
في الحقيقة كان الأمر وليد التو و اللحظة... خطرت على بالها الفكرة حينما رات إعلان...
أما السبب الرئيسي فهو تأنيب تولد فيها لفرحتها المبتورة مع غضب أمها... الحزن الذي تولد فيها و هي تشاهد عروس و أمها تعاومنها بالإختيار و كأنهن أعز صديقات، بينما هي وحدها.. حتى سكرتيرتها كانت مشغولة بالأطنان من الأعمال التي تركتها لها!
لذلك مع شعورها بالحزن و تأنيب الضمير، و الافتقاد و الوحدة... كلهم تناموا لتجد نفسها تتحرك بسرعة ناحيته، ناحية زيادها الذي سيشعرها بكل تأكيد بالأمان... بأنها لم تخطئ... و بأنه مازال هنالك أمل!
"أريد كوب شاي!"
عقد حاجبيه بلا فهم، لتكمل بعجل ألا تفقد تماسكها الهش...
أريد كوب شاي كما قال علاء... أنت تجيد صنع الشاي بطريقة مختلفة... أحب أن أتذوقه إن كنت متفرغا."
خطيبته الحمقاء تطلب كوب شاي... شيء يجب أن يسجل مع طلبات سيراميس!
"هل أنت مشغول..." سمع صوتها الممتلئ خشية و كأنها تخاف الرفض منه..."يمكنني أن آتي بوقت آخر... أعني أنا جئت دون ميعاد..."
"محســـــــــــــــــــــــــــن!"
تجمدت مع صرخته العالية لمساعده الأمين...
"أطلب من عاصم، أن ينتبه جيدا لما طلبته منه... و أخبره أنني سأجلعه يعيده عشرين مرة ليكون كما طلبته... هل تفهم؟؟"
و دون أن ينتظر منه الرد، التفت لدعد مكملا بخشونة لائمت المكان...
"اتبعيني من هنا..."
***
"للأمانة هو شاي بكل الشاي!"
قالت و هي ترتشف الشاي بتأن من الكوب الزجاجي...
كان قد صحبها لآخر المحل...
أغلق باب المطبخ الضيق على كلاهما...
ثم أخرج مفتاح من جيبه ليخرج عدة الشاي خاصته!
لقد صدق علاء فعلا... فإبريق زياد كان نظيف... هو و أكوابه و أيضا معلقته الصغيرة...
و لما سألته لم لا يستعمل الغلاية الكهربائية المشتركة... تقلص وجهه باشمئزاز و لم يجب!
و بدأ باعدا الشاي بتأن و بخفة، دون كلام... لم يشرح لها أي شيء...
و حينما سألته عن مدة غلي الشاي الذي أخرجه من جراب خاص لحفظه من الرطوبة، هز رأسه و هو يتأمل الفقاقيع التي تحمر أكثر و هي تفور في الإبريق...
"لا أدري... فقط يحدث لدي شعور أنها اكتفت و أصبحت جاهزة..."
أخذت نفس عميق من الكوب برائحة النعناع التي تفوح منه بشكل جذاب...
"امممممم... و كيف تقدر كمية الشاي؟؟... إنه ليس أكياس... فكيف...."
قاطعها و هو يسكب المزيد في كوبه و قد وجد أنه بات ألذ لأنه يشاركها شربه...
"لا أعرف دعد... أنا لا أتخابث أو أخفي عنك... الحقيقة أن يدي ميزان خاص... عيني تمتلك تقديرها و حسها... كل شيء بالإحساس هنا... آسف حقا..."
تنفست مرة أخرى الرائحة الطيبة و لم تيأس حينما أكلمت الأسئلة...
"حسنا آخر سؤال؟؟ ما هو نوع الشاي."
ابتسم نصف بسمة و هو يرتشف رشفة أخرى...
"إنه.... سر!"
"زيـــــــــــــــــاد!"
هز رأسه و هو يدور ليجلس خلف كرسيه في المكتب...
"هذا لا يجدي!"
"و أنا الحمقاء التي تخبرك كل شيء حينما تقول دعــــــــــد!"
اصبحت البسمة كاملة و هو يعز رأسه مرة أخرى...
"ماذا أقول... أنت كما قلت... حمقاء!"
"فعلا أنا كذلك!"
ثم وضعت الكوب و نهضت لتحدق بالأرض الفارغة التي تمتد جوار المصنع... أرض قاحلة فارغة بئيسة! لا تفهم حتى الآن لم هي هنا...
"إنها لي... كنت أنتوي أن أوسع المخازن... "سمعت صوته و كأنه قرأ أفكارها... "لكنني أجد نفسي مكتفي أو مشغول أو مستأجر... أو في الحقيقة شغلي لم ينهض لهذه الدرجة، لأحتاج مخازن أوسع!"
لمحته واقفا جوارها يحدق بالمنظر الباهت...
"هل تظن أننا سنكون سعداء؟؟!"
لا تدري لم وجدت نفسها تبوح بآخر شيء تمنت أن تسأله عنه!...
"لا أعرف..."
خرج جوابه بعد لحظات تفكير قصيرة... كانت تتوقعه... آخر شيء يمكن أن يقوم به زياد هو الكذب عليها ليرضيها، أو يطمئنها...
"هل تظن أن... أن غضب أمي سيؤثر علينا... أعني أن المرء لا يوفق بشيء لا يرضي أهله!"
ابتلع ريقه بتوتر و يده تمتد لتلمس الحلق...
"هل هو إيذان بالتراجع..."
هزت رأسها بنفي و هي تحيد ببصرها للاشيء أمامها، فأخذ نفسا عميقا قبل أن يرد بصوت ثابت حاول سبغ الاهتمام به...
"دعد أمك لا تعرفني... ربما تعرف شيء سطحي... لكنها لم ترد أن ترى أبعد من الحقيقة..."
دارت عينها برأسها إليه قبل أن تقول برجاء واضح...
"و هل ستبث لها زياد أنك... أنك ستحافظ علي... هل ستفعل؟؟"
رسم بسمة مطمئنة بعينيه قبل شفتيه و هو يقول بصوت واثق...
"نعم دعد... أعدك أن أثبت لها أنني أستحقك... و أنني سأبذل كل جهدي لأكون الزوج الذي تستحقين... صدقيني... فقط لا تتراجعي... لا تخافي... أنا معك غاليتي... و سننجح نحن الاثنان في هذا الزواج... أعدك أن نفعل..."
***
نهاية الفصل

نقطة وسطر قديم الجزء الاول من سلسلة حكايات فى سطور لكاتبة ايمان نصارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن