قصة سورة الضحى

40 3 1
                                    

نزل القرآن الكريم على رسول الله صلّ الله عليه وسلم نورًا ورحمة للبشرية أجمع ، لقد حملت سور القرآن الكريم معاني أخلاقية وقيم حياتية وإنسانية يحتاج الإنسان أن يتبعها ويؤمن بها ؛ حتى تستقيم الحياة وتخلو من القسوة والبُغض ، فالرحمة هي صفة إلهية يحتاج البشر إلى الشعور بها ، وقد ظهرت قيم الرحمة والعدل والرضا في آيات القرآن الكريم .

سورة الضحى من قصار السور المكية التي تمتلئ بالعديد من القيم الأخلاقية ؛ حيث يقول فيها المولى عزوجل : بسم الله الرحمن الرحيم " وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ "

وردت بعض الروايات المختلفة في أسباب نزول سورة الضحى ، والرواية الأرجح تقول أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم قد أصابه بعض التعب ولم يخرج من بيته لمدة يومين ؛ فجاءت إليه امرأة وقيل أنها زوجة أبي لهب فقالت : يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك ؛ لذلك أنزل الله تعالى سورة الضحى ، وورد أيضًا في أسباب نزولها أن كفار قريش قد تحدثوا في تلك الفترة عن انقطاع نزول الوحي على رسول الله صلّ الله عليه وسلم ؛ وقالوا أن الله تعالى قد قلاه أي تخلى عنه ؛ لذلك نزل الوحي بسورة الضحى .

بدأ الله سبحانه وتعالى سورة الضحى بالقسم بالضحى ؛ في قوله تعالى (وَالضُّحَىٰ) ؛ وهو وقت مبارك من الصباح وصلاة الضحى من السنن النبوية المستحبة ، ثم يأتي قسم أخر في قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ) ؛ ويُقسم الله تعالى هنا على واحدة من حالات الليل ؛ وكلمة سجى لها العديد من المعاني منها أن الليل قد أظلم أو سكن أو ذهب أو أقبل .

وورد في الآية الثالثة قوله تعالى (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) ؛ ويؤكد المولى عزوجل في هذه الآية أنه لم يترك نبيه أو يتخلى عنه ؛ وهناك قراءتان لهذه الآية في كلمة "ودعك"؛ حيث يقرأها الجمهور مُشددة "ودّعك" وتكون معناها أن الوحي لم ينقطع عن الرسول ولم يودعه ؛ والقراءة الثانية تكون مخففة بلا تشديد "ودعك" وتكون معناها لم يتركك الوحي اعراضًا عنك ، ويقصد بقوله "ما قلى" بمعنى ما أبغضك .

ثم أكدّ الله تعالى أن الآخرة هي الخير العظيم الذي ينتظر رسوله الكريم بعد تلك الحياة الفانية ؛ وذلك في قوله تعالى "(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ) ؛ أي أن الحياة الدنيا ما هي إلا إلى زوال وليس منها أي فائدة غير العمل الصالح والإيمان بالله سبحانه وتعالى ؛ حتى ينال الإنسان جزاءه الأوفى في الآخرة التي تحمل كل الخير للمؤمنين .

ويُبشر الله تعالى نبيه صلّ الله عليه وسلم بالرضا في قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) ؛ لقد طلب نبي الله موسى عليه السلام الرضا من المولى عزوجل في قوله "وعجلت إليك ربي لترضى" ، ولكن الله أرضى نبيه الحبيب بعطاءه دون أن يطلب ذلك .

ويقول الله تعالى في الآية التالية "(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ) ؛ ويوضح الله لنبيه الكريم أنه قد وُلد يتيمًا فكفله جده وبعد وفاة جده كفله عمه أبو طالب ؛ ويوجد للأية تفسيران والأول يشير إلى المأوى والسكن في الحياة الدنيا بعد وفاة والديه ؛ والمعنى الثاني يشير إلى أن الله أوى رسوله إلى نفسه واختصه بحمل رسالته .

ثم يُخبر الله تعالى نبيه أنه كان في ضلال فهداه إلى الحق في قوله تعالى (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ) ؛ ووردت عدة تفسيرات في تلك الآية منها أن الله تعالى وجد نبيه لا يعرف الحق فهداه إليه ؛ أو أنه وجده ضَالًّا عن طريق النبوة فهداه إليها .

ويؤكد الله تعالى أنه قد أغنى نبيه من فضله في قوله تعالى (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ) ؛ أي أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم كان فقيرًا فأغناه الله من نعمه ومنّ عليه بالهدى ، ونتيجة أفضل الله تعالى على نبيه طلب الله منه ألا يقهر اليتيم في قوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) ؛ والقهر هنا له عدة معاني منها ألا تظلم اليتيم أو لا تستذله أو تُحقّر من شأنه ،ثم يطلب الله من نبيه ألا ينهر السائل الذي يطلب الإحسان ؛ وعليه أذا رده دون إجابة سؤاله فليرده بالحسنى .

وذلك في قوله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) ، ثم يقول الله تعالى في الآية الأخيرة (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ؛ وللنعمة هنا ثلاث تفسيرات وهم النبوة ويعني ذلك تبليغ رسالة النبوة ؛ والمعنى الثاني القرآن وهو ما سيبلغه إلى الناس ؛ والمعنى الثالث هو ما حدث من خير وشر ليُحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه والذين يثق بهم .


بين يدى اللهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن