الثقة حجر الأساس لبناء العلاقات، من دون الأساس لا يوجد شيءٌ ليُبنى، ما دون ذلك فهو سراب، سيسقط البناء لامحالة ويتحطم إلى فُتات، ما زالت العلاقة بين الأحبة، بين الأصدقاء ببعضهم، بين الحيوان والإنسان ماهي إلا ثقة آمنوا بها ليصنعوا رباطًا وثيقًا؛ فصندوق الود والحب مفتاحه الثقة والأمان.
حجرٌ فوق آخر حتى تكتمل وتسمى علاقة، الإطمئنان يجره حبال الصدق، تلحقها أواصر الحب لتصنع شباكًا قوية يصعب بترها.
مصباحٌ مُعلّق بضوءٍ خافت ووهج ضعيف، يتدلى أعلى طاولة مربعة يستند إليها كرسيان خشبيان، تجلس على أحدهما فتاة قمحية البشرة بعينين مرسومتين بإتقان، ملطّخة ببعض مساحيق التجميل التي لم تقدر على إخفاء توترها وقلقها، تتلفت حولها بعدما فتحت عيناها الشاخصة تبحث عن مغيث لينتشل الخوف المُخيّم بالمكان يسكنه الهدوء المرعب، ضيقت عيناها تجاهد الرؤية، تظن نفسها الراكون تستطيع الرؤية في الظلام الدامس، حتى بوجود المصباح ضعيف الإنارة لم ترَ شيئاً، صوت الأغلال في يديها كسر هدوء الصمت مع تردد صدى الصوت المُنحصر في بقعتها الصغيرة، متزامنةً مع حركة أقدامها المُعربة عن خوفها وإدراكها ماحدث، تحاول الحراك لكن السلاسل مشدودة الوثاق في قضيبين نحاسيين خلفها، تهمهم جاحظة العينين، تحرك رأسها بانفعال، تحاول معرفة مكانها، غرفة صغيرة
خالية تمامًا من كل شيء سوى من الطاولة والكرسيان ودلو في زاوية الغرفة.
علا صوت أنفاسها يطرق فؤادها جدار صدرها؛ لشعورها بشيء على قدمها يتحرك ببطء نحو ساقها، فلما أيقنت أنه صرير جرذ إهتزت بعنف كأنها جان، جلجل صوتها المكتوم بحنجرتها.
لحظات وانبلج الباب يصدر ضجيج الملل، واحتكاك الضعف، وأطّل منه شابٌ ببزته المهندمة وفي يده بعض الأوراق، اقترب بخطواتٍ صغيرة ونظراته مثبّتة على جسدها المرتجف، ترفع ساقيها للأعلى نحو صدرها،
إنزلق على الكرسي مقابلها، وأراح ظهره بعدما ترك الورق يفترش الطاولة، نزع عويناته وأخرج منديلاً ليمسحها ثم وضعهما في جيب قميصه.
تتابعه متكورة في مكانها تصرخ بعنف، لكنّ القماشة في فيها والشريط اللاصق يكتمان عويلها،
المكان موحش وجسده كالحائط أمامها، عيناه السوداء تلمع بغموض مخيف عند سقوط الضوء عليها، وحاجباه المنبلجان وأنفه المدبب يوحيان بالكثير، نطق أخيرًا بعد طول انتظار أرهق أعصابها مُحدّقًا بها بغموض، بعدما نزع عن فمها اللاصق، وقطعة القماش،
وحذّرها ألا تُقدم على فعلٍ أحمق، ثم وضع أمامه خنجرًا معقوف الرأس حاد السن مزركش الوجهين ذهبي اللون.
بلعت غُصة في حلقها، ونطقت بتوجس ترتجف:
-من أنت؟ ماذا تريد؟ وأين نحن؟
أنت تقرأ
لن أغفر
Short Storyقصة قصيرة مستوحاة من أحداث حقيقية مع لمسة من الخيال يرافقها؛ كي يُغذي أرواحنا التى تتوق للنجاة دومًا..