كان صباح الجمعة مختلفًا في بيت الحاج كريم. الشمس قد تسللت إلى زوايا البيت القديمة، من النوافذ الخشبية المطلة على الحديقة الصغيرة، ورائحة الخبز الحار تفوح من المطبخ حيث تجلس أم علي تُحضّر الإفطار برفقة ريم، تتبادلان الأحاديث الخفيفة والضحكات الهادئة.
في باحة الدار، كان الحاج كريم جالسًا على سجادة صلاته، يُردّد الأذكار بصوت خافت، حامدًا الله على يومٍ جديد جمع فيه العائلة حوله.
رفع بصره نحو الباب الداخلي، ثم التفت إلى أم علي وقال:
— "أما زالت نازلي نائمة؟"
ابتسمت أم علي وهي تُقطّع الخيار:
— "يبدو أن الدراسة أتعبتها هذا الأسبوع، ما نامت إلا بعد منتصف الليل."
تنهد الجد، وملامحه ارتسمت عليها محبة صافية:
— "قوموا ناديها، لا أريد أن نبدأ فطور الجمعة من دونها."
ريم ضحكت وهي تنهض:
— "أنا أذهب، لكنها إن رأتني ستتظاهر بالنوم. الأفضل أن تذهب لها أنت يا جدي، أنت الوحيد اللي ما تقدر تقولك لا."
هزّ الجد رأسه مبتسمًا، ثم نهض ببطء، يسند نفسه على عصاه الخشبية المنحوتة يدويًا، واتجه إلى الغرفة حيث تنام نازلي.
طرق الباب برفق، ثم فتحه قليلًا.
كانت نازلي ما تزال مستلقية، وجهها يغفو على وسادتها، شعرها الطويل مبعثر على كتفها، ووجهها يعلوه شحوب خفيف من الإرهاق.
اقترب الجد منها، جلس على طرف السرير بلطف، وهمس بصوت دافئ:
— "صباح الخير يا حبيبتي... هل نازلي ما زالت في عالم الأحلام؟"
فتحت عينيها ببطء، وبصوت خافت أجابت:
— "صباح النور يا جدي... أظنني غفوت أكثر مما ينبغي."
ربّت على يدها بلطف، وقال:
— "لا بأس يا صغيرتي. لكن الجمعة لا تكتمل إلا بجلسة العائلة حول المائدة، وفطور من يد أم علي. هيا... الكل بانتظارك."
ابتسمت نازلي، وجلست ببطء على السرير، ثم نظرت إليه بعينين فيها بعض الحرج:
— "أعتذر يا جدي، لم أكن أعلم أن الوقت مضى هكذا."
مسح على رأسها وقال:
— "أهمّ ما في الأمر أن تكوني بخير... أنتِ تعلمين كم يهمّني أن أراكِ مرتاحة، خصوصًا بعد ما حدث البارحة."
صمتت قليلًا، ثم قالت:
— "أنا بخير، طالما أنتم حولي... وطالما علي موجود."
نظر إليها الجد، تأمل ملامحها، وقال بنبرة فيها دعاء:
— "اللهم احفظ لكِ قلبكِ وعليّكِ... وجعل الله عليًّا نعم السند لكِ، كما كنتِ دائمًا نعمة البنت لقلبي."
