بعد دقائق من الصمت الثقيل، قطعه صوت نازلي، وهي تستجمع أنفاسها المتعبة:
"أريد أن أعود إلى البيت… لا فائدة من بقائي هنا. علي طبيبي، وهو سيتابع حالتي."
رفع الجميع رؤوسهم نحوها بدهشة، بينما كان علي يقف عند طرف السرير، عاقدًا حاجبيه.
نظر إليها مطولًا، ثم أخرج أنفاسه بضيق وقال:"هل تمزحين يا نازلي؟ أنتِ بالكاد خرجتِ من العناية، والسم ما زال في دمك بنسبة…"
قاطعته بنبرة هادئة لكنها حاسمة:
"لكنني أفضل أن أموت في بيتي على أن أبقى هنا… لا أريد أن يشعر أحد بأنني أهرب."
تدخل الجد وهو في قمة غضبه:
"لا! لن تعودي حتى يطمئن قلبي عليكِ! أنا لا أساوم على حياتك، نازلي!"
لكن علي بقي صامتًا للحظة، وهو يحدق في نازلي التي ما زالت تنظر إليه بثقة غريبة.
أخيرًا قال بصوت هادئ، فيه نبرة انكسار خفية:"سأتابع حالتها بنفسي في المنزل… سأجهز غرفة مهيأة، وسأراقب أية أعراض طارئة."
ثم التفت إليها وقال بنبرة حادة:
"لكن ما فعلته غباء يا نازلي… كان يمكن أن تموتي… لماذا لم تتركي الطبق ببساطة؟ لماذا تصرين على إيذاء نفسك؟!"
رمقته بنظرة صامتة، ثم همست:
"لم أكن أريد لأحد أن يشكّ بي… أردت أن ينكشف كل شيء… وأنا واثقة أنك لن تتركني أموت."
شعر علي بقبضة قوية على قلبه، بين الغضب والحزن، ثم ابتعد عنها دون أن يقول شيئًا آخر.
أما الجد، فكان يضرب الأرض بعصاه بقوة وهو يتمتم:"هذا اليوم… سيكون بداية كشف كل شيء… والله لن أرحم من امتدت يده على حفيدتي!"
تمت الموافقة على خروج نازلي، وعادوا إلى البيت، لكن أجواء الغضب والقلق لم تفارقهم.
دخلت ليان المطبخ بخطواتها الصغيرة، عيناها اللامعتان تبحثان عن الحليب الذي طلبته من والدتها. بعد أن حصلت عليه، حملت المِمة بحنان بين يديها، متجهة نحو غرفة نازلي حيث ترغب في مشاركتها اللحظة. كانت حركة البراءة في عينيها واضحة، دون أن تخطر ببالها أي خطر.
بينما كانت تمر بجانب الطاولة، لفت انتباهها شيء غريب: علبة صغيرة أنيقة، لم تلاحظها من قبل، لونها مختلف وبراقة، جذبتها كأنها لعبة جديدة. أمسكت العلبة بتردد، وألقت نظرة سريعة حولها وكأنها تستفسر في سرها عن ماهيتها.
في تلك اللحظة، دخل علي إلى المطبخ، ورأى المشهد كله بوضوح. عيناه توسعتا من الدهشة والخوف في آنٍ واحد، وعقله انتفض فورًا بتحذير صارم: «ليان! لا تلمسي تلك العلبة!» صوته كان قاسيًا لكن فيه الكثير من القلق.
