ابنَة العَقِيد.

40 7 4
                                    



 اللَيل اغْطَش ظُلمَته، الهُدوء اسدَل ستارتَه، رَائحة بارُود الجُنود عَبقت، العَساكرُ اغلَبهم نِيام، يَتبادلونَ مُناوبَات الحِراسة.. هُم العَدو فَما يَهابونَ؟! 

 فِي تِلكَ الخَيمة التِي لاتَختلفُ عَن شَقيقاتِها فِي المُعسكرِ، قَبعَ غُرابي الشَعر ذُو اشرَاقة تَقاسيم الوجهِ التِي اغرَبها رَماد الحرُوب.. يَخطُ بَأنامِله البَالية الظَاهر عَليها حكْر الزَمن، علَى تِلك الورقَة، دمعَة حارقة نزَلت على خَده، تَاركة احمرارًا على وجَنتيه، اظنُ انها رسالَة توديع لاحِبته، مَن يدري فحتَى المستعمر لهُ حَياة خاصَة به؟!. 

 هوَ فتى عِشريني، قَد احتم عَليه القتال كشرِير، فلَيس  دائما نكُون الضحية ضعَاف القلوب الذِين لاحَول ولا قوة لَهم في هذه الدُنيا. 


 الحِبر يكَاد ينفدُ منه، حتى لَو سقطت الرَاء لن يُفلح شيء، ضَوء الشمعة قَصيرة الفتِيل، هو مَا يشع في عَتمة عَروس الليل، ذاك الاثَاث البني الاشبَه"بالمكتب"بَات بالِيًا. 

 صَوت خَشخشة على العشبِ المنَدى بقطرات سَائل الحَياة، ايقظه مِن شروده، ازَاح جدعَه من الكُرسي، يتَنهد كشيخ طَغى عليه الارَق، حمل بندقِيته التي تَحمل وسام الشَرف.. الاخِير كان يَبغضه لسبب دفَنه بين ثَنايا لبِه، وطَمر عليه التُراب. 

  اخَد يسير بخطُوات ثابتة وبِهدوء، محَاولا كَشف ماسبب تَمايل سيقان الحَشائش، حَملق بالمكان ذهابًا وايابًا، وحِين استدار بظَهره قصد العَودة الى مضجَعه لمَح بطرفِ عينه جِسمًا ليس بِرجل، بل عَلى مايبدو شَابة فتِية كبراعم الكَرز، تَرتدي قلنسوة بلونِ السماء الداكِن، تغَطي به خصلاتِ شعرها الفَحمية، اما ذَلك الحِداء الراقي ذُو الكَعب العالي البَسيط الذي زادَها طُولا، يدل عَلى ان مكانتها عَالية، فستانها الكَستنائي ذاك وَصل الى ركبتيها، سامحَا لظهور فتونِها. 

 جعل مُقلتيه تحدق بِها لاجزاء مِن الثوانِي، وحِين تلاقت اعينهُما، لمعة سَلكت طريقها بَين ضحالة لَونهما، وقبل انْ يحَرك شفتَيه نابسًا، ابتعدت راكضَة عنه، زَم حاجباه عَلى شكل قوسَين، دالا علل عُبوسه وعدم ادْراكه لما يحَصل. 

  راحَت تبطئ سُرعتها حين ابتِعادها عن المُعسكر ظانَة انها ضيعته، انْفاسها تتصارع لتدخُل مابين رِئتيها، لتشعُر بكف تحيط مرفقَها، بهدوءتام اسْتدارت.. تسلط الضوء على صَاحب اليد تلك، انَه هو!!، افلتت مِرفقها منهُ، تاركةً مسافة بينهما، وحِين رفعت رأسها معلنَة تراجعها مِن حيث اتت، دوى صَوته مستَفسرًا. 

"هيي مَن تكونين؟!" 

 نَبس هو محاولا لفت انتِباهها، لكن لاحَياة لمن تُنادي، وكانها جسد بلا رُوح. 

ابتَعدت بلا اي كلمة او اي ردَة فعل. 

 عاد بَطلنا الى مؤوَاه، ووابِل من الاسئِلة غزى عَقله، جلس عَلى طَرف سريره، ينزع حدائه الضخمَ عن قدميهُ، والافكَار اخدت طَريقها بالفرار.. 

 _"هل هِي جَنوبية؟!، اذا كَانت كذالك، فَما تفعل فِي معسكر؟!، ومادافِعها لفعلِ هكَذا امْر؟!، هَل هي شِريرة ام ماذا؟! بِئسا عَلى افكَاري هذه يجِب علي ان اخْلد للنومِ بَدلًا من هَذه التفاهات! "

 عقلهُ الباطني صنع سِناريوهات بينه وبَين نفسه، ليرسِل بِروحه نحو عالم الاحلَام. 

  
  ⇢فِي مَكان اخَر⇢

 يجلِس على مَكتبه ذاك، المَليئ بالاوراقِ والمعلومات، واضع ركبَته الى ركبته، يمسِكُ بيمناهُ سمه المُسمى "السجائر"، يدخِل هوائها الى رِئتيه، يغْمرهما بِه لعله ينسيه دهرًا، انهالَ عَلى نفسه بالاعمال فَوق طاقته، بالفِعل هو كَهل في العقدِ الخَامس، لكِن هذا لايبدو عَلى مظهَره بتاتًا، هُو للناظرين شاب قوي وَسيم التقاسيم، رائحَة السجائر غمرتِ الغرفة، صوتُ طرق اخرجه مِن شروده الذِي غرق بِه، همهمة خرجَت من فاهه دَالة على سماحه للطَارق بالدخول. 

“سيدي العَقيد.. اظن انَ لدي شيء مُهم جدًا! “

 نَبست بصوتها الانثوي العَامر ثقة. 

 نَظر اليها اليها الاخَر بنَظرة غيرِ مفهُومة متزامنة مع تبدل مَلامحه الهادئة الى قَلقة، رمقهَل من رائسه الى اقمَص قدميها.. يتفحصها، لَربما اصيبت بِمكروه، انها الغَريزة، صَمت لبرهَة، لينتفض بسُرعة، يتفقَد كل شِبر منها، استغرقَ تفحصه ذاكَ بضع مِن الثواني. 

  لتحَمحم الاخرى مقَاطعة اياه بعد ان لاحَظت نظرَاته الخائفة والقَلقة. 

‘بنَيتي.. الم اخبِركِ الاف المَرات الا تُخاطري ‘

 خَاطبها كَـ ثلاثيني يعَاتب ابنته ذات الخمس اعوامْ. 

“سَيدي العَقيد.. انا لم اعُد تِلك الطِفلة الصغيرة التِي كَانت تَلعب بالطين، فَتلطخ نَفسها، فَتعاتبها انتَ. “

 اردَفت بِكل هدُوء ورزَانة. 

  اخَد شهيق من غَليونه، وكَأنه دواء يَستنجد به في ويلاتِ جسده. 
 
  انتفَض بهدوء يعَدل ياقة زيه العَسكري، اقتَرب منها ببطْئ، يؤويهَا حظنَه، وكَردة فعل منهَا فتحت مقلَتيها الخاليَتان من الحَياة على مصراعيهما. 

 اخَدت يده تَمسح على خصلاتِ شعَرها الليلِي بهدوء،والاخرى تُربت على  ظهرها المستقِيم استقامة الخيط بِرقَة، ليتَمتم بكل ثِقة ونبرته لَاتخلو بينَ طياتها مِن الحِنية واللِين. 

  ‘اعلَم يا هانيول انكِ كبرتيِ واشتد عودكِ، وصرتِي تشبهين بتلات الورودِ الحمراء التِي لاعبتها في صغَركِ، لكن مَالكِ ان تُناديني بالعَقيد، فلا اعَد غريبّا عَنكِ، انا مَن جعل من تلكَ العلقة كتلَة من اللحْم الفاتن، والان تتَصرفين مَعي بشَفافية يا ابنَة العَقيد.. ‘

 انهَى كلامَه، لتسري القشعريرةُ انحَاء جسده، سببَها تلكَ القطرات اللهيبَة، التِي تنزل عَلى ظَهر كَفه كالمطر الذي يَليه طوفان قَوم نوحٍ عَليه السلام. 

 “اباهُ اتتذَكر امَاه؟!، ام ازَال الدهر اثَرها، زوال الرملِ بالريحِ!!. "

            يُتبع♡

رِواية جَديدة.. بِحلة جَديدة.. وطَابع جَديد.. 

مَع مَصائب جَديدة... 

#آلَکْآتٌبًةّ_آنِسِةّ_آلَغُمًوٌض

ايشتروس||εχθρόςحيث تعيش القصص. اكتشف الآن