مرّت الليلة وسط أجواء احتفالية لا تُنسى. الموسيقى الهادئة تملأ المكان، وضحكات الأطفال تلوّن الهواء، والأنوار الصغيرة ترقص على وجوه الحاضرين. كانت نازلي لا تزال في حالة ذهولٍ جميل، تمسك بيد ريم التي لم تكفّ عن الهمس لها:
– "ألم أقل لكِ؟ هو يحبك بجنون... وحتى بعد كل ما مررتما به، ها هو يُثبت لكِ أنه لن يترككِ أبدًا."نازلي نظرت إلى علي الذي كان يتحدث مع عمها نعيم وأبيها طارق، وهي تشعر بنبض قلبها يعود للحياة، بشيء من الطمأنينة الغريبة... كأن كل الألم الذي مرّت به، وكل العيون التي حاصرتها، قد تلاشت الآن.
**
في وقتٍ متأخر من الليل، انفضّ الجمع، وبقي القليل من الأهل في الحديقة.
كانت نازلي تجلس على المقعد الخشبي قرب الأشجار، والهواء البارد يعبث بشعرها الطويل.
اقترب علي منها بهدوء، جلس بجانبها، وقال:
– "هل كنتِ تتوقعين شيئًا من هذا اليوم؟"أجابت وهي تبتسم بتعب:
– "لا… كنت أظن أننا سنكمل التمثيل… وسنظل صامتين لنكشف من كان يكرهنا... لكن ما حدث فاجأني."قال علي بصوت خافت:
– "ما عادت تهمّني اللعبة، ما عادت تهمّني خططهم… كل ما أريده الآن أن أعيش بسلام معك. خطبناهم، خذلناهم، والآن… حان وقت فرحتنا."سكتت، ثم قالت وهي تنظر بعيدًا:
– "هل سنكون بخير؟"أجابها علي، وهو ينظر مباشرة في عينيها:
– "ما دمتِ معي، فأنا بخير… وإن كنتِ خائفة، خذي قلبي واحتمي به. لقد تعبتِ يا نازلي… والآن، حان دورك لترتاحي."**
وفي الداخل، كان الجد يُحدث باقي العائلة، وأم علي تهمس للعمات بفخر:
– "ألم أقل لكم من البداية؟ علي اختار قلبه، ولم يخذلنا… ونازلي، هذه البنت لا تُعوّض."ضحكت منى وقالت:
– "والله البنت صارت مثل أختي الصغيرة، وليان ما تكفّ تحكي عنها. من بكرا لازم نجهز لثوب الزفاف."**
وهكذا… ساد الليل سكونًا دافئًا، ونامت نازلي على وعدٍ جديد، بأن الألم انتهى… وأن القادم، سيكون أجمل.
لكن… لم يكن الجميع سعيدًا بهذا الزفاف. في مكانٍ آخر، وخلف ستار الليل، كانت هناك عيون لا تزال تراقب… وقلوب لم تتقبل الخسارة بعد.
في صباح اليوم التالي، استيقظ البيت على أصوات الاستعدادات الجديدة. الجد كان قد أوصى بتجهيز قائمة الضيوف، وبدأت أم علي بالتنسيق مع ريم ومنى لتفاصيل الحفل، من الزينة إلى قائمة الطعام والفرقة الموسيقية. بدا البيت كخلية نحل، والفرح يكسو كل زاوية.
أما نازلي، فقد استيقظت على صوت طرقات خفيفة على باب غرفتها.
– "نازلي، افتحي… أنا ليان!"
نهضت نازلي وفتحت الباب، لتقف أمامها ليان بثوب نومها الوردي وشعرها المشعث ووجهها الصباحي البريء.
– "هل صحيح رح تتزوجين عمو علي؟"
ابتسمت نازلي وربتت على شعرها:
– "نعم، صغيرتي…"
